لم يبك أحد فى مصر على نبأ منع دخول الصحفى الأمريكى ديفيد كيركباتريك الأراضى المصرية. لم تقم ثورة ضد قرار ترحيله، ولم ينتفض المصريون للتضامن معه، ولا حتى المعارضين للدولة! لم يكن المعترضون على ترحيله سوى صحيفته و«الجزيرة» و«رصد» و«العربى الجديد»، ومن هم على شاكلتهم، وبعض وسائل الإعلام الأجنبية ذات التوجهات المعروفة ضد الدولة المصرية، وعدد من «دكاكين» حقوق الإنسان التى لا قيمة لها. أما بالنسبة للقطاع الأعم من الشعب المصري، فقد كانت أمامه فرصة للاعتراض والاحتجاج والتضامن معه، دون أن يحدث ذلك! فعلى سبيل المثال، قدمت وكالة «أسوشييتدبرس» للأنباء تغطية سلبية لواقعة رفض السلطات فى مصر دخول الصحفى المذكور للأراضى المصرية، حيث حاولت الوكالة استغلال تلك الواقعة بهدف تكرار اتهاماتها الاعتيادية للدولة المصرية بقمع الحريات، على الرغم من أن القراءة المتأنية للواقعة تكشف عن أن الوكالة تناست الاتهامات الموجهة إلى هذا الصحفى بدعم جماعة «الإخوان» الإرهابية، وأحقية كل دولة فى تنظيم إجراءات الدخول لأراضيها بالصورة التى تحفظ أمنها، وهو ما تمارسه بالفعل الدول الغربية التى ترحل يوميا آلاف الأجانب، وتمنعهم من دخولها، كما تسحب جنسيتها من مواطنيها المشتبه فيهم أمنيا. فقالت الوكالة فى تقرير بثته بتاريخ 19 فبراير 2019 بعنوان «مصر تعتقل وترحل مراسل صحيفة نيويورك تايمز لدى وصوله مطار القاهرة»، حيث وصفت هذا الإجراء الذى اتخذته السلطات الأمنية، وهو من حقها تماما، بأنه «يأتى ضمن حملة القمع التى تشنها السلطات المصرية ضد حرية التعبير ووسائل الإعلام». وأضافت الوكالة أن مسئولى الأمن «احتجزوا كيركباتريك لمدة سبع ساعات دون طعام أو مياه بعد مصادرة هاتفه المحمول قبل إعادته على متن إحدى الطائرات إلى لندن». وزعمت الوكالة فى السياق نفسه أن «مصر فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى تشن هجوما غير مسبوق على الصحفيين المصريين خلال الأعوام القليلة الماضية، وسجنت العشرات منهم، وتطرد من حين لآخر الصحفيين الأجانب». كانت «أسوشييتدبرس» تعتقد فيما يبدو أن مصر ستقوم ولن تقعد بسبب ترحيل «المناضل» كيركباتريك، ولكنها، هى وغيرها، لم تدرك على الأرجح أن أحدا لم ولن يكترث بهذا الإجراء، تماما مثلما لا تكترث الدولة المصرية بالأكاذيب والمعلومات المضللة التى ترد فى تقارير حقوق الإنسان والمنظمات الدولية، وآخرها تقرير «هيومان رايتس ووتش» الذى تضمن عبارات فظة غير مسبوقة تتعلق باتهامات مصر بانتهاك حقوق الشواذ!. على «دكاكين» حقوق الإنسان ووسائل الإعلام التى لا تراعى ضميرها فى تغطيتها للشأن المصرى أن تدرك أنه سيأتى يوم لا يبالى فيها أحد بها، ولا بتغطيتها، ولا بأى قضية تثيرها، ولا حتى عبر السوشيال ميديا التى لا يقمعها أحد، ولا يجب أن تلوم فى ذلك إلا نفسها، بسبب ابتعادها عن المهنية، ووقوفها على الجانب الآخر من الحقيقة، ولهم فيما حدث لكيركباتريك عظة وعبرة. وليس صحيحا ما قالته «نيويورك تايمز» دفاعا عن كيركباتريك فى مقالها يوم 21 فبراير تحت عنوان «الميديا ليست دائما العدو» من أن الصحفى الأمريكى مدير مكتب الصحيفة السابق فى مصر تم إبعاده بسبب عمله الصحفى أو بسبب توجهه إلى القاهرة أو حتى بسبب تأليفه كتاب بعنوان «فى أيدى الجنود»، وإنما لأسباب أخرى تعرفها نيويورك تايمز ويعرفها كيركباتريك جيدا، تحتاج إلى «مجلد» لسردها، ملخصها أن «الميديا» غير النزيهة ،والتى تتورط فى ممارسات أخرى غير «الصحافة» أو «الإعلام» لابد أن تكون «عدوا» بالفعل!