لم تكن إسرائيل يوما «الديمقراطية الوحيدة فى الشرق الأوسط»، كما سوقها الساسة الغربيون وآلاتهم الدعائية، بل إنها كيان فاشى عنصرى غير شرعى وسط المنطقة الأكثر اضطرابا فى العالم، وهو ما يثبته التاريخ والحاضر بقوة. انتخابات الكنيست الإسرائيلى على الأبواب، ويسابق بنيامين نيتانياهو، الذى يتفاخر بأنه أول رئيس وزراء يولد فى إسرائيل، الزمن من أجل الفوز بأى ثمن، لا يشغل باله ملفات الفساد التى تلاحقه، ولا مصير عملية السلام أو ما يسمى «صفقة القرن»، فقد حقق انتصارات سياسية غير مسبوقة من وجهة نظره، أهمها اعتراف عدد من الدول بالقدس عاصمة لإسرائيل، وخصوصا اعتراف الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وقراره بنقل السفارة الأمريكية إليها من تل أبيب، وتمرير قانون يهودية الدولة، وتطبيع العلاقات مع دول إسلامية مثل تشاد وغيرها. زعيم الليكود سعى بقوة إلى تشكيل تحالف يضمن له تشكيل الحكومة الإسرائيلية للمرة الخامسة، حيث عقد صفقة لتوحيد أحزاب اليمين المتطرف «البيت اليهودي» و«عظمة يهودية» الإرهابى إلى جانب حزبى شاس الدينى ويهوديت هتوراة. حزب «عظمة يهودية» بزعامة ميخائيل بن آرى وإيتمار بن غفير وباروخ مارزيل زعيم المستوطنين فى مدينة الخليل وجنوب الضفة الغربية ، يؤكد أنصاره أنهم أحفاد الحاخام مائير كاهانا، الذى أسس منظمة «كاخ» الصهيونية اليمينية المتطرفة، والتى صنفتها إسرائيل نفسها كحركة إرهابية عام 1994، إلى جانب حظره من قبل أمريكا وعدد من الدول الأوروبية، على الرغم من أن كاهان ظل يوجه سمومه ضد العرب والمسلمين حتى لحظة اغتياله. واستندت أفكار المنظمة إلى ضرورة طرد العرب من فلسطين وتأسيس دولة دينية لليهود، وأثار تحالف نيتانياهو مع «عظمة يهودية» عاصفة من الجدل سواء فى الداخل أو الخارج، فأحزاب المعارضة تقدمت بطعون لرفض ترشح الحزب، كما طالب أفيخاى ماندلبليت النائب العام الإسرائيلى وقف ترشيح بن آرى الذى شن حملة عنصرية ممنهجة ضد عرب 48، كما أثار غضب منظمات اللوبى اليهودى فى الخارج مثل لجنة العلاقات الخارجية الأمريكية الإسرائيلية «إيباك»، التى أدانت تشجيع نيتانياهو للإرهاب اليهودي، وإمعانا فى مناهضتها لهذه السياسة، فقد دعت بينى جانتس منافس رئيس الوزراء الإسرائيلى إلى حضور مؤتمرها السنوي. وفى المحصلة، انتصرت لجنة الانتخابات المركزية الإسرائيلية لهؤلاء العنصريين، وأقرت ترشيحهم فى الانتخابات، فى انتصار جديد لنيتانياهو. زعيم الليكود أيضا نجح فى ضم حزبى «شاس» الدينى بزعامة آرييه درعى ويهودين هتوراة» برئاسة وزير الصحة الحالى يعقوب ليتسمان إلى تحالفه الانتخابي، فى مناورة ناجحة لوضع اليمين فى سلة واحدة، وحتى يتمكن من تشكيل ائتلاف حكومى سهل بعد انتخابات أبريل. وخلال تقديمه البرنامج الانتخابي، تحدث نيتانياهو عن إنجازاته، ولم يسع لذكر أى تلميح أو إشارة إلى شبح قضايا الفساد، أو مصيدة الساحرات كما يكرر وصفها. نيتانياهو أو رجل الاستعراض «شو مان»، كما يسميه منتقدوه، غازل كتلته الانتخابية الأهم: «المستوطنين» ، وتعهد بعدم إخلاء أو تفكيك أى مستوطنة يهودية من المستوطنات غير الشرعية التى تضخمت تحت رئاسته للحكومة. ولعب على وتر آخر لليمين المتطرف، والخيار الحاسم بينه وبين منافسه تحالف «أزرق أبيض»، وطرح السؤال المحسوم : هل تختارون حكومة يمين قوية بزعامة الليكود وبيبى «لقبه المتداول» أو النائب العربى الإسرائيلى أحمد الطيبي. نيتانياهو حمل حزب العمل المعارض، كل الخطايا وأشباح الماضي، فبعد فوز إيهود باراك برئاسة الوزراء ووعد الإسرائيليين بما سماه «فجرا جديدا»، عقد اتفاق أوسلو، الذى تبعته الانتفاضة الثانية، وهو تحذير وجهته دعاية الليكود حتى لا يتم تكرار خطأ انتخابات 1999، بانتخاب تحالف المعارضة أو تحالف الجنرالات، الذين كانوا يأتمرون بأوامر نيتانياهو يوما ما. وتفاخر نيتانياهو بصداقته للرئيسين الأمريكى ترامب والروسى فلاديمير بوتين. استطلاعات الرأى متأرجحة، يوما ترجح كفة نيتانياهو، ويوما ترجح كفة جانتس، إلا أن اتهامات الفساد لنيتانياهو لم تؤثر على التوجهات الانتخابية للإسرائيليين، الذين نسوا مظاهرات السبت ضد رئيس وزرائهم وزوجته سارة، اللذين يدفعان ببراءتهما دائما ويحملان وسائل الإعلام مسئولية تصويرهما على أنهما «أصل الشر». وكشف أحدث استطلاع لصحيفتى «يسرائيل هيوم» و«هاآرتس» عن أن بيبى مازال هو المفضل على الرغم من توجيه اتهامات إليه بالرشوة والاحتيال وخيانة الثقة. نيتانياهو غير استراتيجيته الانتخابية بشكل كامل حتى يواجه المنافسة القوية، فقد دعا الليكود إلى الخوف من تحالف الخصم، واضعا عينه بشكل كامل على الأحزاب الصغيرة التى سوف تمكنه من تشكيل حكومته الخامسة مثل«اليمين الجديد»، و«اتحاد أحزاب اليمين» و«شاس» و«كلنا». ومع انتشار التقارير حول احتمالات لجوئه إلى تشكيل ما قد يسمى «حكومة وحدة» مع تحالف «أزرق أبيض»، رفض نيتانياهو هذا السيناريو واستشاط غضبا رافضا المبدأ من أساسه. وفى النهاية، فلا يوجد أحزاب يسار فى إسرائيل، ولا تنافس بين اليمين واليسار، بل رؤية واحدة لسياسة واحدة، واتفاق على قراءة نيتانياهو للمخاطر التى تواجه إسرائيل بداية من الخطر النووى لإيران والوجود الإيرانى فى سوريا وحماس فى غزة وحزب الله فى لبنان. نيتانياهو يكره المعارضة التى يرى أنها السبب فى إشعال فتيل فتنة الفساد ضده، والتى اتهمته يوما بالتسبب فى اغتيال إسحق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق، حيث كان يحرض ضده خلال تزعمه للمعارضة عام 1995. نيتانياهو يواجه العديد من الأشباح فى حرب الكنيست، وسط شبه تأكيدات ترجح فوزه فى هذه الانتخابات، فهو قادر على جمع مجموعة من المتطرفين، أو بمعنى أصح الفاشيين الجدد، وتقديم فروض الولاء لهم، من أجل استمرار حكومته بأى شكل من الأشكال وبأى ثمن، فى صفقة فاشية جديدة من أجل تشكيل حكومة أبارتهايد ضد الفلسطينيين وحقوقهم المشروعة.