عبر التاريخ الممتد لمئات السنين هناك علاقات مشتركة ومصالح قوية جمعت بين مصر ومحيطها الإفريقي، حيث تمثل إفريقيا عمقًا إستراتيجيًا لمصر، كما أن مصر تمثل بدورها بوابة إفريقيا من جهة الشرق، ولكن ما حدث مع الوقت هو أن السياسة الخارجية المصرية أهملت الجنوب، حيث إفريقيا، واتجهت شمالًا، دون توازن، لتنجح بعض الدول الأخرى فى ملء هذا الفراغ الذى تركته مصر، التى لم تستثمر وضعها السياسى على الشكل الأمثل، فضلًا عن التراخى بعض الشيء فى استثمار قوتها الناعمة المتمثلة فى التعليم والفن والثقافة. وإذا كان التاريخ يشير إلى أن جهودًا غير قليلة شهدها ملف العلاقات المصرية الإفريقية، إلا أنها ليست بالدرجة الكافية وليست بالمساحة المناسبة والمعقولة التى تعكس عمق العلاقات المجتمعية بين مصر وغيرها من دول إفريقيا، ولعلى أشير هنا إلى دراسة الزميلة د. إيمان بالله ياسر (2018م) والتى جاءت تحت عنوان «اتجاهات الخطاب الصحفى الإفريقى إزاء النشاط المصرى والإسرائيلى فى إفريقيا خلال الفترة من 2011م إلى 2015م»، وهى دراسة نالت بها درجة الدكتوراه من قسم الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة تحت إشراف الدكتورة عواطف عبد الرحمن المهمومة بأحوال إفريقيا، حيث توصلت الدراسة إلى نتائج مهمة تستحق التوقف بعض الوقت، منها أن مصر لم تقم بتوظيف الآليات الثقافية الخاصة بها من أجل تحقيق التقارب مع الدول الإفريقية وهو ما ظهر جليًا فى غياب النشاط الثقافى المصرى فى صحف الدراسة (حيث استعانت بصحف تصدر من أربع دول إفريقية هى إثيوبيا والسنغال وكينيا وجنوب إفريقيا)، وأشارت الدراسة أيضًا إلى أن أغلب المضامين الخاصة بالنشاط المصرى فى القارة- وفقًا لرؤية الصحف الإفريقية محل الدراسة- تصب فى إطار روتينى للتحركات السياسية الرسمية متغافلة دور القوة الناعمة فى تحقيق التقارب الفكري، ومن جانب آخر تركز النشاط المصرى على دول حوض النيل فحسب، بينما كان من الملاحظ ضعف الدور المصرى فى دول غرب ووسط وجنوب إفريقيا، وتصل الباحثة فى ختام دراستها إلى ضرورة العمل على تطوير الاستراتيجية دبلوماسية متوازنة وطويلة المدى تجاه دول القارة تجمع فى طياتها جميع ملامح وآليات وأهداف التغيير فى التوجهات والممارسات والهياكل المؤسسية المعنية، وتضع فى حساباتها مفاهيم توازن القوى والمصالح المتبادلة، مع العمل على تفعيل دور القوة الناعمة من أجل إحداث أكبر قدر من التأثير فى القارة الإفريقية ودولها، خاصة أن هذه القوة لها تأثيرات أكبر من القوى السياسية الرسمية. وإذا كان عامنا الحالى (2019م) يشهد رئاسة مصر للاتحاد الإفريقى لمدة عام، فى ظل قيادة سياسية تعى عمق العلاقات والارتباطات والمصالح المصرية الإفريقية، وتعمل بقوة على دعمها، فإننا نتطلع إلى مزيد من التعاون البنّاء والعمل المشترك مع دول القارة الإفريقية على جميع المستويات والأصعدة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، الأمر الذى ينبه إلى أهمية التشبيك بين المؤسسات والهيئات المختلفة، الرسمية منها والمدنية، العلمية والثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية، المعنية بالعلاقات المصرية الإفريقية وحسنًا يأتى ملتقى الشباب العربى والإفريقى الذى تشهده مدينة أسوان، والتى تم إعلانها عاصمة الشباب الإفريقى لعام 2019م، حيث يعقد الملتقى أعماله خلال الفترة من 16 إلى 18 مارس الحالي، متمنين نجاحه وأن يخرج المشاركون بتوصيات عملية ويتوصلون إلى أفكار ومقترحات تجد طريقها للتنفيذ والتطبيق، بما يسهم فى دعم وترسيخ العلاقات المتنوعة التى تربط بين مصر وغيرها من دول القارة الإفريقية، والعمل معًا من أجل مواجهة الكثير من التحديات والمشكلات والأزمات، المتقاربة والمتشابهة أحيانًا، مما يشجع نهضة تلك المجتمعات ويحقق أهداف التنمية المستدامة، فالأفارقة يستحقون حياة أفضل. لمزيد من مقالات ◀ د. رامى عطا صديق