علماء النفس دائما ما يبهروننا بحقائق داخلنا لا نعلمها إلا بمرور الزمن والمواقف التي نواجهها، فعلم النفس دراسة لسلوك وعقل الإنسان وكيفية التفكير والفعل ورد الفعل والتوصل إلى فهم هذا السلوك وتفسيره والتنبؤ به والتحكم فيه في آن واحد. فقد وقع حادث في نيويورك بالولايات المتحدةالأمريكية شغل الرأى العام لفترة طويلة، وكان ذلك عام 1964 وبالتحديد يوم 13 مارس وبهذا الحادث انقلب حال البلد كلها وانشغل علماء النفس. كانت هناك فتاه تعمل ليلاً في مقهى، وفي أثناء عودتها تعقبها شخص ما، وعندما تيقنت منه حاولت الاستغاثة عبر أقرب تليفون، ولكنه سبقها وهجم عليها وطعنها، وعند التفافها طعنها مرة أخرى، فصرخت واستغاثت بالناس لينقذوها، وبدأت أنوار الغرف في العمارات التي تحيطها تضيء، وتكرّم واحد من الجيران بفتح شباك منزله وقال "اتركها"، ودفع ذلك المجرم للهروب من المكان بسرعة، ولكنه وجد أن أنوار الغرف بدأت تنطفئ مرة أخرى واحدة تلو واحدة، ولم يعد يظهر أحد، فعاد المجرم وسدد لها طعنات أخرى ليسرق ما لديها، وبعد نصف ساعة من صراخها هرب عند رؤية أحد الجيران ولكنها للأسف كانت قد فارقت الحياة. تصدر هذا الخبر جريدة التايمز وقيل إن الجيران لم يشاهدوا الجريمة، فلم يترك علماء النفس ذلك الموضوع وقرر العالمان "جون ديرلي" و"بيب لاتاني" أن يدرسا الواقعة، وكيف لم ير أحد الحادث. وبعمل تجربة على مجموعة من الطلبة، جلس كل طالب وحده في غرفة وأفهموه أن هناك طالبا في الغرفة الثانية، وطلبوا منه التحدث معه، ولكن لم يكن هناك أى طالب في الغرفة الثانية وإنما جهاز كمبيوتر مسجل عليه إجابات تناسب كلام الطالب، وأثناء الحوار بينهم تبدأ تظهر نوبات صرع على الطالب الثاني (الكمبيوتر) وصوته يتقطع وبعدها يبدأ بطلب المساعدة. وكان رد فعل كل طالب مختلف عن الآخر، وبالتكرارمع وجود اثنين من الطلاب وخمسة طلاب مجتمعين في نفس الغرفة، بدأوا برصد ردود أفعالهم، فوجدوا أنه عندما كان الطالب وحده نسبة استجابته للشخص المُستغيث كانت 85%، والاثنين كانت النسبة 61%، والخمسة 31%. هذا في علم النفس يسمى "لا مبالاة المتفرج" فكلما زاد عدد الأشخاص الموجودين في مكان أمام شخص يحتاج المساعدة، كلما قلت مسئوليتهم وبالتالي تقل نسبة استجابتهم للمساعدة، لأن كل شخص ينتظر ويفترض تحرك الآخر وليس هو. إذا مر عليك ثلاث دقائق على ترددك في مساعدة المحتاج، ستقرر أنك لن تساعده ولو فعل الكل ذلك لن يتم إنقاذ أحد. بادر بأن تمنع أي أذى أو تعدى على ضعفاء الناس، وبها ستجد من يتكاتف معك ويقف بجانبك ويقوم بسندك. لا تصمت لأن صمتك لا يعني الحياد، وإنما يعنى وقوفك مع القوى ومخاذلة الضعيف. [email protected] لمزيد من مقالات سمر عبدالفتاح