يتسم الحوار الدائر الآن بين مختلف القوى السياسية بشأن التعديلات الدستورية المقترحة بالحيوية الموضوعية والتركيز مع عدم اغفال أن البعض يخلط بين الصالح العام والشأن الخاص وأحيانا نشعر أن الرأى نابع من تجارب ماضية غير ناجحة ولا يرتبط برؤية مستقبلية واضحة تخص بلد قرر شعبه وأصرت قيادته السياسية على خوض معركة الإصلاح والبناء بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية. وفى هذا الاطار أود أن أطرح الملاحظات الشخصية التالية: - الدستور وثيقة ديناميكية متحركة تعبر عن طموحات وآمال وأحلام الشعب وهى بدورها متغيرة غير ثابتة ومن هنا تأتى الحكمة من مراجعة النصوص الدستورية كل فترة زمنية مناسبة لمواكبة تلك التغيرات وبما يضمن عدم التعارض بين الدستور وما يريده الناس. وبالنظر إلى التعديل الوارد بالمادة «102» الفقرة الأولى والخاص بتخصيص عدد من المقاعد للمرأة لا يقل عن ربع العدد الكلي، فإنى أتصور أن هذا التعديل يتيح الاستفادة الحقيقية من طاقات وإمكانات المرأة المصرية التى أثبتت وجودها فى شتى المجالات مع إمكان دراسة ومناقشة نسبة الربع فى حد ذاتها. - هناك مادة مستحدثة تقوم على أن يعين رئيس الجمهورية نائباً له أو أكثر ويحدد اختصاصاتهم ويعفيهم من مناصبهم وأن يقبل استقالتهم. وأتصور أننا بحاجة ملحة لهذه المادة حيث وجود نواب لرئيس الجمهورية يتيح تكليفهم بمهام وملفات محددة وعليهم أن يصلوا بها إلى نتائج واضحة من خلال جدول زمنى محدد مما يصب فى رفع كفاءة وفاعلية إدارة الشئون العامة للبلاد فى ظل المرحلة المهمة التى نمر بها والتى تتسم بالطموح والتحدى والسباق مع الزمن. - هناك مادة مستحدثة تقوم على وجود مجلس للشيوخ له اختصاصات محددة ولقد كان لدينا فى السابق مجلس للشورى ولا ندرى لماذا تم الغاؤه فى حين أن عدداً كبيراً من الدول المتقدمة بها غرفتان للمجلس النيابى واعتقد أنه تتحقق استفادة كبرى من وجود مجلس للشيوخ لأخذ رأيه فى أمور عديدة منها: الاقتراحات الخاصة بتعديل مادة او أكثر من مواد الدستور. مشروعات القوانين المكملة للدستور. مشروع الخطة العامة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية. معاهدات الصلح والتحالف وجميع المعاهدات التى تتعلق بحقوق السيادة.. ما يحيله رئيس الجمهورية إلى المجلس من موضوعات تتصل بالسياسة العامة للدولة أو بسياستها فى الشئون العربية أو الخارجية ... ويبلغ المجلس رأيه فى هذه الأمور إلى رئيس الجمهورية ومجلس النواب. وأرى استكمالا للفائدة وزيادة فاعلية هذا المجلس المهم أن يعرض عليه مشروعات القوانين المقدمة من رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء وكذلك النواب على أن يكون له دور تشريعى واضح فى هذه المشروعات وليس مجرد ابداء الرأي. -هناك تعديل للمادة «244» يقضى بأن تعمل الدولة على تمثيل الشباب والمسيحيين والاشخاص ذوى الاعاقة والمصريين المقيمين فى الخارج تمثيلاً ملائماً وذلك على النحو الذى يحدده القانون ولا شك ان هذا التعديل يتيح أن يشمل مجلس النواب لكل فئات المجتمع وبشكل يحقق الاستدامة ولا يقتصر على فترة زمنية معينة. - هناك تعديل للمادة «200» الفقرة الأولى يقضى بأن القوات المسلحة ملك للشعب مهمتها حماية البلاد والحفاظ على امنها وسلامة اراضيها وصون الدستور والديمقراطية والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها.... وهذا تعديل فى غاية الاهمية، حيث اثبتت الاحداث أن القوات المسلحة لها دور رئيسى فى الحفاظ على الدولة وحماية البلاد من نزاعات ومؤامرات الحكم باسم الدين والحفاظ على وجود الدولة المدنية الحديثة بكل ما تحمله من معان ومفاهيم لا تخفى عن احد. كنت أتمنى أن يتسع نطاق التعديلات الدستورية لتشمل مواد أخرى بالاضافة إلى المواد المطروحة وفى رأيى أن هناك من 30 إلى 35 مادة فى حاجة إلى تعديل وأخص منها المواد التالية : - المواد «18، 19، 21، 23» والتى تتحدث عن تخصيص نسب محددة من الناتج القومى الإجمالى للإنفاق على الصحة والتعليم والتعليم العالى والبحث العلمى «مجموع النسب 10%» على أن تتصاعد هذه النسب تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية ... يلاحظ على هذه المواد ما يلي: - الناتج القومى الاجمالى لا يتم حسابه الآن فى مصر، وهذا واقع يعود إلى سنوات طويلة ماضية وذلك لصعوبات فنية تحول دون حسابه، وهو الحادث فى معظم دول العالم، حيث يتم استخدام الناتج المحلى الإجمالى بدلاً منه. - كلمة «الانفاق» الواردة بالمواد لا تعبر عن تدفقات نقدية أو مبالغ مالية ولكنها تعبر عن تكلفة أو مصروفات والفرق هائل بين المفهومين. - لم توضح المواد الدستورية عن أى سنة يتم حساب الناتج الإجمالى وما معنى الاتفاق مع المعدلات العالمية. - معظم دساتير العالم لا تنص على نسب محددة للإنفاق على الصحة والتعليم، فالأمر يحتاج إلى أهداف وخطط واضحة وليس مجرد نصوص دستورية، وإذا كان هناك اتفاق على أهمية وجود تلك النسب فمن الافضل أن تكون نسباً من إجمالى استخدامات الموازنة وتعبر عن مخصصات مالية فعلية تخص قطاع الخدمة بالكامل وليس الوزارة المعنية بتلك الخدمة. -المادة «38» من الدستور تنص على أن تكون الضرائب على دخول الافراد تصاعدياً متعددة الشرائح وفقاً لقدراتهم التكليفية ويلاحظ على هذه المادة ما يلي: - الدستور يحدد مبادئ عامة للسياسات والتوجهات الاقتصادية ولا يدخل فى تفاصيل أساليب وسياسات وإجراءات تخص احد القطاعات المالية للدولة ويمثله فى هذه المادة قطاع الضرائب. - المادة تفتح الباب حول الحكمة من تصاعدية الضريبة بالنسبة لدخول الافراد مع عدم ذكر المؤسسات والشركات! - وجود نص دستورى يحدد أسلوبا ضريبيا معينا يشكل عائقاً واضحاً نحو تطوير النظم الضريبية وإمكان اللجوء إلى أساليب بديلة تحقق أهداف مختلفة تتناسب مع تطور الحياة الاقتصادية. الملاحظات عديدة على الكثير من المواد وأرى أننا فى حاجة إلى تعديلات شاملة فى هذا الدستور قد تصل بنا إلى حتمية إعداد دستور جديد يتماشى مع ظروف وتداعيات المستقبل وآمال وطموحات الشعب المصرى العظيم فى مسيرته الصعبة نحو التقدم وإعادة البناء ----------------------------------- رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب لمزيد من مقالات د. حسين عيسى