التفجير الانتحارى المدوى الذى نفذته حركة الشباب الإرهابية فى قلب العاصمة الصوماليةمقديشيو وأزهقت به أرواح نحو 30 شخصًا وأصابت نحو 80 آخرين الخميس الماضى, ليس الأول ولا الأكبر من نوعه لكنه أول عملية إرهابية منذ طرد الحركة من العاصمة عام 2011 تُتبعُها بالاستيلاء على مبنى مجاور لفندق شهير يرتاده مسئولون وأجانب وأخذ مدنيين رهائن لمدة 22 ساعة قبل أن تتمكن قوات الأمن من قتل آخر منفذيها. ولأنها تمت فى اليوم الذى انسحبت فيه قوات حفظ السلام البوروندية من قاعدتها فى المدينة تعززت المخاوف من عودة الحركة للسيطرة على العاصمة وإسقاط الحكومة بمجرد اكتمال انسحاب القوات الإفريقية بحلول العام المقبل لعدم قدرة القوات الحكومية القليلة الخبرة والتدريب والسلاح وحدها على التصدى لها، وهو أمر ستكون له عواقب وخيمة على الأصعدة الوطنية والإقليمية والدولية إن حدث. داخليًا سيعود المتطرفون لتنغيص حياة الناس بفرض آرائهم المتزمتة عليهم بدعوى أنها من تعاليم الإسلام وسيسارعون بفتح الأبواب لمتطرفى وإرهابيى تنظيم القاعدة الذى سبق أن أعلنوا ولاءهم له وربما أيضًا لداعش إذا حدث اتفاق مصالح وتعاون بين التنظيمين. وإذا تم ذلك ستشعر دول الجوار بقلق بالغ على أمنها فتلجأ إما إلى إقامة مناطق عازلة آمنة على حدودها داخل أراضى الصومال منتهكةً بذلك سيادته أو للتدخل عسكريًا لإسقاط نظام حكم الجماعة كما فعلت إثيوبيا مع نظام حكم المحاكم الإسلامية عام 2006 لطردهم من العاصمة إلى الأرياف مرةً أخرى، وفى الحالتين لن يكون هناك استقرار ولا فرصة لتنمية أواستغلال مناسب لموارد الصومال الطبيعية الوفيرة بينما 6٫2 مليون نسمة (نصف الشعب) بحاجة إلى مساعدات إنسانية وفقًا لمكتب الشئون الإنسانية التابع للأمم المتحدة.ولن تكون الدول الغربية التى يمر نحو 40% من وارداتها من البترول ونحو 10% من حجم التجارة العالمية من أمام السواحل الصومالية أقل قلقًا وربما تكثف وجودها العسكرى فى خليج عدن والقواعد العسكرية الأمريكية والفرنسية والصينية فى جيبوتى المجاورة وربما فى دول أخرى بالقرن الإفريقى للتصدى لهذا الخطر. وعلى العكس من القلق المتصاعد فى منطقة القرن الإفريقى بسبب ما يجرى فى الصومال قطعت منطقة غرب إفريقيا قبل أيام خطوات جديدة نحو ترسيخ الديمقراطية بانتخابات رئاسية وتشريعية حرة وهادئة نسبيًا أُعيد بها انتخاب الرئيس محمد بخارى وانتخابات نموذجية عوَّدتنا عليها السنغال منذ الاستقلال فاز فيها الرئيس ماكى صال بفترة ثانية وذلك بالرغم من اتهامات مرشحى المعارضة الخاسرين للحكومتين بتزوير النتائج فيما يبدو أنها محاولات للتغطية على فشلهم فى إقناع الناخبين بجدارتهم وعلى إخفاقهم فى توحيد صفوفهم ودخول الانتخابات بمرشح واحد لمواجهة الرئيس المنتهية ولايته. حدث ذلك بعد أسابيع معدودة من مفاجأة الكونغو كينشاسا حيث فاز مرشح معارض (فيليكس تشيسكيدى) على مرشح الحكومة (إيمانويل شادارى) فى أول تداول سلمى للسلطة منذ الاستقلال وتخلى الرئيس جوزيف كابيلا عن الحكم بعد محاولات عديدة للبقاء واجهت احتجاجات دموية فى الداخل وضغوطًا شديدة من الخارج. بخارى الذى فاز بفارق نحو أربعة ملايين صوت عن عتيقو أبوبكر أقرب منافسيه (15٫2 مليون مقابل 11٫3 مليون) ركز فى حملته الانتخابية على ما أنجزه فى مجال مكافحة الفساد واحتواء نشاط جماعة بوكوحرام المتطرفة وتخليص البلدات التى سيطرت عليها من براثنها ودفعها إلى الغابات رغم أنها مازالت تشن هجمات خاطفة من وقت لآخر على المدنيين فضلًا عن ضعف فرصة منافسه رجل الأعمال الذى اتهمه البعض بالفساد وقت أن كان نائبًا لرئيس سابق.ومع أنه مازال أمامه تحديات ضخمة فى مقدمتها القضاء على بوكو حرام والتمرد فى ولايات الجنوب واستئصال الفساد وإنقاذ الاقتصاد المتداعى وحل مشكلتى الانقطاع المتكرر للكهرباء والمعارك المتكررة بين الرعاة والمزارعين والحد من الفقر، إلاّ أن عدم حدوث انتكاسة للديمقراطية التى بدأت عام 1999 مكسب كبير. أما صال الذى أعاد السنغاليون انتخابه بنسبة 58% متقدمًا على أقرب منافسيه إدريس سيكا بنحو 37٫5% فقد ارتكز فوزه على إنجازاته التنموية مثل الطرق السريعة والمطار الجديد خلال فترته الأولى ضمن ما أطلق عليه برنامج السنغال الناهضة الذى وفَّر نصف مليون فرصة عمل ويعد بمليون فرصة أخرى ورفع نسبة النمو إلى 6% وهى من أعلى النسب فى إفريقيا.لكن مازال يتعين عليه النهوض بالتعليم والرعاية الصحية وإيجاد فرص عمل كافية لمئات الآلاف من العاطلين والقضاء على التمرد فى إقليم كازامانس الجنوبى حتى تبقى السنغال نموذجًا للتداول السلمى للسلطة والبلد الإفريقى الوحيد الذى لم يحدث فيه انقلاب عسكرى وتناوَبَ على حكمه أربعة ُرؤساء منذ استقلاله عام 1960.