هذا القول وإن كان لا ينطبق علينا فى مصر، إلا أنه بات واقعا ملموسا يترقبه أبناء وأحفاد الكتاب المشاهير والمغمورين على حد سواء فى أوروبا وبلاد العم سام..الغريب أن الثروة المفاجئة التى تهبط على رءوس الورثة لا علاقة لها على الإطلاق بأى اكتشاف مفاجئ لقيمة الأديب الذى لم يقدر حق قدره فى حياته أو بسبب إعادة طبع إنتاجه الذى سبق نشره، أو ذلك الذى أعده للطبع ولكن القدر لم يمهله لينشره..!! الأمر أبسط من ذلك بكثير، ويعتمد أولا وأخيرا على كم ما يحتفظ به الورثة من مخلفات المرحوم، سواء حدث ذلك بدافع الإهمال أو ضيق الوقت الذى لم يتح لهم فرصة التخلص من أوراقه والاستفادة بمساحات الفراغ التى تشغلها أو لدوافع عاطفية.. يأتى بعد ذلك صبرهم وقدرتهم على البحث والتنقيب فى الصناديق القديمة والأدراج المغلقة، وبين الأوراق المهملة عن الخطوط الأولية لمشروع قصة أو رواية والقصاصات المنسية والمخطوطات غير الكاملة. وما إن ينتشر الخبر حتى تتهافت دور النشر الكبرى على شراء هذه الأوراق لنشرها كما هي، أو تعهد لأحد الكتاب باستكمالها أو تستعين بالبرنامج الذى ابتكره الأمريكى «سكوت فرانس» لاستكمال العمل الأدبى بنفس أسلوب الكاتب الراحل بعد تزويده بالمعلومات الكافية عن أسلوبه و تركيباته اللغوية. وبغض النظر عن طرافة وإثارة الفكرة وظهور أعمال جديدة »لجين أوستن« و«جيمس جويس» و«صامويل بيكيت« وطبعات جديدة لرواية »الرجل الأول «لألبير كامي» والتى لا تزيد على مجرد مخطوط غير كامل ولا مُنقح، أصدره الناشر بعد وفاة المؤلف بأكثر من ثلاثين عاما، ومع ذلك وصلت مبيعاته فى فرنسا وحدها إلى 130 ألف نسخة..!! وبعيدا عن الصراع الشرس المحتدم بين الناشرين الذين لم يعد يسعدهم إلا العثور على قصاصاته المنسية ومسوداته غير الكاملة، وأن عملية جمع المسودات غير الكاملة قد أسعدت الورثة والناشرين وحظيت باهتمام الجمهور، فإن الكثير من النقاد يرون أن الأمر لا يزيد على مجرد عملية تجارية، الخاسر الوحيد فيها الكاتب المسكين الذى لم يتمتع بالثروة فى حياته وباتت سمعته الأدبية وفكره عرضة للخطر بسبب برنامج كمبيوتر، مهما بلغت تقنياته، معرض للخلل والإصابة بلوثة مفاجئة تؤدى لتداخل الأساليب وخلط المعاني، وبالتالى تزييف الفكر!!. فى هذا السياق قال الناقد الأدبى »همفرى كاربنتر« إن قيمة «أرنست همنجواي»الأدبية لم ترتفع على الإطلاق بعد نشر رواية «حديقة عدن» بعد وفاته ب23 عاما، بل إن الرواية ألقت بظلال من الشك على حياته.. وأضاف: « من المؤكد أن كاتبة الأطفال »بياترس بوتر« كانت ستستشيط غضبا لو قرأت مخطوط «القطة الماكرة» الذى أخفته فى درجها وظهر بعد وفاتها، وأن الأمر لن يختلف بالنسبة ل ج.ر.ر.تولكين».الأخطر من ذلك أن جنون نشر المسودات سيفتح الباب لتزييف أعمال ونسبها لكتاب رحلوا عن دنيانا ولم يعد بإمكانهم نفى أو تأكيد صحة نسب تلك السطور لهم وأنها تعبر عن أفكارهم. على الجانب الآخر يدافع الناشرون عن موقفهم باعتبار أن هذه المخطوطات والقصاصات عصارة فكر كاتب اختطفه الموت قبل أن يقدم لقارئه كل ما عنده، ومن حق القارئ الاطلاع على كل ما جادت به قريحة الكاتب وحالت الظروف دون ظهوره. وبغض النظر عن الجدل المُثار بالخارج حول نشر القصاصات والمسودات غير الكاملة ومقارنة الحالة المالية للكاتب بحال ورثته من بعده، تتقافز علامة استفهام : ما رأى كتابنا وورثة من رحلوا منهم، خاصة ان داء الأدب لم يحقق لأى منهم ثراء أو رفاهية، بل وربما عانوا بسببه الفاقة..وأيهما يفضلون بقاء الحال على ما هو عليه، كرامة للفن ولفكر كاتبه والاكتفاء بما قدمه للقارئ بملء إرادته وكامل وعيه، أم نشر مخطوطات تركها عمدا لتُثرى الأبناء والأحفاد؟! لمزيد من مقالات سناء صليحة