ليس مصادفة أن تصادف مؤتمرا رقميا وفى الوقت نفسه تتناثر موضوعاته: المدونات والتشبيك والدردشات والملاحظات..إلى غير ذلك مما له افتراضية وواقعية بالشباب.. كما رأينا اجتهادات الكثير من باحثينا ومثقفينا من الإضافات والمشاركات من هذا التوجه الجديد، فإذا بنا أمام ثقافة عصرنا التى تنتمى إلى الأمية الرقمية.. ونلتفت إلى أزمة المثقف التى شاعت منذ الستينيات فإذا بنا أمام أزمة المثقف العربى القائمة القاتمة فى هذا العالم الافتراضى الجديد.. وبديهى أن هذا كله يشدنا إلى عالم جديد من اللغة والتعبيرات والتعريفات التى نلتقى بها للمرة الإول فى تاريخنا العربي. الرقمنة تسعى للتمويه على أدوار مثقفينا، وفى الوقت نفسه تأثير المثقف العربى عبر هذه الأداة الحديثة سلبي. الرقمنة تقوم هنا على هذا المفهوم الخاص لا العام، والرقمنة نقصد بها هذه الحالة التى أصبح عليها المثقف العربى المعاصر فى عديد من أدواته ومواقفه . إنها الرقمنة الرديئة التى نجدها تتوزع فى الفضاء اللانهائى عبر الشبكات تمارس فيها فى العالم الافتراضى لا الواقعى عادة تدوير الأفكار وإعادة توظيفها عبر أنماط لا تكون تابعة لهذه الرقمنة بمعناها العلمى المطلق بقدر ماتكون خاضعة لقوى أكبر منا بكثير، هذه القوى التى جاءت من أمريكا المنبع الرئيسى للعولمة، وتمارس عبر أدوات كثيرة عبر هذه الشبكات المتباينة، فمن الطبيعى أن يقوم أى مثقف معاصر بكتابة المدونات وعقد الندوات بل كتابة السير الذاتية والتوظيف بعديد من الفعاليات المبهرة كالتصوير أو المشاركة بالموسيقى وهذه الفعاليات التى يعلن عنها من آن للآخر بشكل متوال كالبرمجيات الجاذبة تسهم فى تزييف الوعى لدى شبابنا عبر هذه الفعاليات المبهرة. ولايحتاج دارس هذا العالم الجديد ليدرك كيف يمكن رصد توجهات مثقفينا عبر رصد هذه المساحات اللانهائية، ومخاطرها حيث تقوم الأجهزة الغربية المريبة بسهولة فائقة بإعادة صنع المصطلحات والتعريفات والمفاهيم العامة عبر وسائل كثيرة ، لايكون منها فقط دس ما يراد ايصاله للغير بل فعل ما يريده الآخر عبر العديد من الشخصيات الكاذبة التى تسعى لتأكيد فكرة هنا أو هناك. إن الثقافة الرقمية لاتمثل عاملا سلبيا فى الوعى الثقافى بل على العكس، فمن يتابع الثورة الرقمية على المستوى الثقافى العالمى يلحظ على سبيل المثال سعى منظمة اليونسكو رسميا لافتتاح المكتبة الرقمية العالمية وذلك بالتعاون مع أكثر من عشرين مؤسسة دولية، حيث بالإمكان تصفح موقع المكتبة بسبع لغات هى العربية والإسبانية والإنجليزية والفرنسية والبرتغالية واليابانية والروسية، وهى محاولة سبقتها محاولتان اخريتان، خدمة جوجل بوك والمكتبة الالكترونية الأوروبية وكل هذه المحاولات تمثل ثورة فى العالم المعرفي، وهو العالم الذى لم يستطع المثقف العربى اللحاق به بوعى أو التحليق فيه فى زمن كان لابد أن يتسلح فيه بالمعرفة السياسية والثقافية فأصحاب المكتبة الرقمية العالمية وضعوا إسرائيل مكان فلسطين. ولذلك الخطر الأكبر الآن هو غياب المثقف العربى عن هذا الفضاء الإلكترونى وما يشكله من تداعيات على الأمن القومى العربي. لمزيد من مقالات د. مصطفى عبدالغنى