البنك الأوروبي لإعادة الإعمار يرفع توقعاته لنمو الاقتصاد المصري إلى 3.8% خلال العام المالي الحالي    «هيات إيجيبت» للمنتجات الصحية تفتتح مصنعاً جديداً بالسخنة باستثمارات 60 مليون دولار    صوامع الشرقية تستقبل 444 ألف طن قمح في موسم الحصاد    إزالة 21 حالة تعد على الأراضي ضمن الموجة 26 في البحيرة    قناة السويس: تخفيض 15% من رسوم عبور بعض السفن لمدة 90 يوماً    وزير إسرائيلي: نرفض أي محاولة لإقامة دولة فلسطينية    وزير الخارجية: نتطلع للارتقاء بمستوى العلاقات مع قبرص إلى آفاق أوسع في المجالات المختلفة    البحيرة.. ضبط مخبز للتصرف فى 121 شيكارة دقيق و428 بطاقة تموينية بكفر الدوار    إصابة 5 أشخاص إثر حادث انقلاب سيارة سوزوكي في الشرقية    ضبط قائد سيارة ربع نقل أخرج قدمه من النافذة خلال سيره على الطريق    31 مايو.. نادي السينما الأفريقية يعرض الفيلم السنغالي ديمبا في الهناجر    ندوه بالعريش لتوعية السيدات بأهمية المشاركة السياسية    وزير العمل يترأس اجتماع مجلس إدارة صندوق إعانات الطوارئ للعمال    سوداني ينهي حياة إريتري ذبحًا في الطالبية    "البترول": 3 اكتشافات جديدة للزيت والغاز في الصحراء الغربية وخليج السويس تعزز مستقبل الطاقة في مصر    عاجل- نجاح فريق طبي مصري في إنقاذ سائحين من روسيا والسعودية بعمليات قلب دقيقة بمستشفى العجوزة    خلال 24 ساعة.. تحرير 138 مخالفة لمحال غير ملتزمة بموعد الإغلاق    ماسك ووزيرى التجارة والخزانة الأمريكيين يشاركون بمنتدى استثمار بالسعودية    الاتحاد الأوروبي: لن نستأنف واردات الطاقة من روسيا حتى لو تحقق السلام في أوكرانيا    باكستان تعلن ارتفاع حصيلة ضحايا الغارات الهندية ل51 قتيلا و199 مصابا    مشكلة أمنية.. واشنطن بوست تفجر مفاجأة حول الطائرة القطرية المهداة لترامب    غياب الرباعي الأساسي.. بيراميدز في ورطة قبل ساعات من مواجهة الزمالك    رئيس الاتحاد البرازيلي: تلقيت تعليقات من اللاعبين بشأن أنشيلوتي    الأهلي يواجه المقاولون العرب اليوم في بطولة الجمهورية مواليد 2008    بمشاركة الأهلي والزمالك.. انطلاق مباريات نصف نهائي دوري سوبر السلة    الأكاديمية الطبية العسكرية تفتح باب التسجيل ببرامج الدراسات العليا.. اعرف الشروط والتخصصات    وزير التعليم يتفقد مدارس الحوامدية: تقديم كافة سبل الدعم للمعلمين والطلاب    المانجو ب 50 جنيهًا.. أسعار الخضروات والفاكهة اليوم الثلاثاء 13 مايو 2025    البنك الأهلي يوقع بروتوكول مع مجموعة أبوغالى لتوريد وتسليم سيارات "جيلي" بمصر    الداخلية تضبط 346 قضية مخدرات وتنفذ 84676 حكم قضائى خلال 24 ساعة    بزعم قدرته على العلاج الروحاني.. «الداخلية»: ضبط متهم لقيامه بالنصب على المواطنين في الإسكندرية    بعد ظهوره بدهب.. وزيرة البيئة تؤكد: القرش الحوتى لا يشكل خطرا على الإنسان    جدول مواعيد امتحانات الترم الثاني 2025 في محافظة أسيوط جميع الصفوف    شريف ليلة.. أبرز مشاركات الفنان الراحل السينمائية والدرامية    مصر تسترد 25 قطعة أثرية من الولايات المتحدة الأمريكية    صنع الله إبراهيم.. لمحة من حياة أحد رواد الأدب العربى المعاصر    بعد إقرار قانون الفتوى.. دار الإفتاء تطلق برنامجًا تدريبيًا للصحفيين لتعزيز التغطية المهنية للقضايا الدينية والإفتائية    قريبًا.. كريم محمود عبد العزيز يروج لمسلسله الجديد "مملكة الحرير"    غدا آخر موعد للتقديم.. وظائف شاغرة في جامعة أسيوط    عاجل- وكالات أنباء "ممنوعة" من مرافقة ترامب بجولة الشرق الأوسط    صحة المنوفية تتابع سير العمل بمستشفى بركة السبع المركزي    وزارة الصحة تنظم قافلة طبية مجانية متخصصة فى طب الأسنان للأطفال بمطروح    هل يحق للزوجة طلب زوجها "الناشز" في بيت الطاعة؟.. محامية توضح الحالات والشروط    صحة غزة: شهيدان فلسطينيان إثر قصف إسرائيلي استهدف مجمع ناصر الطبي    تشكيل الأهلي المتوقع لمواجهة سيراميكا في الدوري    مدير عمل بني سويف يسلم عقود توظيف لشباب في مجال الزراعة بالأردن    داعية إسلامي: احموا أولادكم من التحرش بالأخذ بالأسباب والطمأنينة في التوكل على الله    صبحي خليل يكشف أسباب تألقه في أدوار الشر وممثله المفضل ورسالة محمد رمضان له    إرشادات دقيقة لأداء مناسك الحج والعمرة كما فعلها الرسول صلى الله عليه وسلم    حكم تسوية الصف في الصلاة للجالس على الكرسي.. دار الإفتاء توضح    بيان هام من محامية بوسي شلبي بشأن اتهامات خوض الأعراض: إنذار قانوني    غيابات مؤثرة بصفوف الأهلي أمام سيراميكا كليوباترا في الدوري المصري    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 13-5-2025 في محافظة قنا    اليوم| محاكمة 73 متهمًا في قضية خلية اللجان النوعية بالتجمع    يلا كورة يكشف.. التفاصيل المالية في عقد ريفيرو مع الأهلي    منتخب مصر للباراسيكل يكتسح بطولة إفريقيا لمضمار الدراجات ويحصد 29 ميدالية.    اعتماد 24 مدرسة من هيئة ضمان جودة التعليم والاعتماد بالوادي الجديد    طفل ينهي حياته داخل منزله بالإسماعيلية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المثقف الورقى والمثقف الرقمى
نشر في الأهرام اليومي يوم 13 - 10 - 2016

الجدل حول تعريف المثقف وأدواره فى مجتمعه وعالمه ليس جديداً، ولا رهين مرحلة تاريخية محددة منذ اطلاق المصطلح، ونشوء حقله والتنظيرات حوله، من قضية داريفوس الشهيرة وموقف أميل زولا، مروراً بخيانة المثقفين لباندا، وتنظيرات جرامشى، وايزا برلين وادوارد سعيد ونظرائهم وأشباههم فى الثقافات الأوروبية، ومن استعارات المصطلح من مهادة وبعض تطوراته فى التراث النظرى الأوروبى حول المثقف وأدواره. من هنا لا أجد غرابة فى اعادة النظر فى التعريفات، ولا الخطاب حول الأدوار، لأنه من الخطأ بمكان تصور نمط مثالى للمثقف - وتعريفه وأدواره - نشأ مرة واحدة وصالح للتطبيق رغم اختلاف السياقات التاريخية، وطبيعة المجتمعات ودرجات تطورها السياسى والثقافى والمعرفى والتقنى والاجتماعي. المثقف فاعل متطور وليس جامدا وساكنا أو غير قابل للتغيير والتأثر والتأثير فى المجتمع. من هنا اعادة النظر فى التعريفات مشروع نظرياً وتطبيقياً وتاريخياً، وكذلك الجدل حول الأدوار، الا أن الملاحظ أن الخطاب والأحرى الخطابات حول تعريف المثقف وأدواره فى الغالبية الساحقة من الكتابات والتنظيرات العربية على قلتها تستصحب معها تعريفات أوروبية، وتحديداً جرامشى الذى يتبناه ذوو الانتماءات الأيديولوجية اليسارية، وآخرون بعضهم ينتمى الى التيار الليبرالى أو القومى العربي.
يلاحظ على هذا الاتجاه الغلاب أن بعضهم داخله يستعير المصطلحات - المثقف التاريخى والمثقف العضوى والمثقف الجماعى - دون التعريفات والمعانى التى حددها جرامشى فى هذا الصدد، وتحول لديهم مصطلح المثقف العضوى الى أيقونة تردد كجزء من التوظيفات البلاغية ومجازات تجميل الخطاب / الكتابة حول المثقف، وأدواره لاسيما فى مجال أدواره وضرورة ارتباطه بطبقة اجتماعية محددة دون تحديد سياقاتها وماهيتها فى بعض الأحيان.
التعريف والمعنى الأكثر شيوعاً لدى بعض كبار المثقفين المصريين والعرب يتمثل تكوين وثقافة ووظيفة كبار المفكرين/ المثقفين فى مرحلة مطالع النهضة العربية حتى المرحلة شبه الليبرالية وفوائضها فى مرحلة بناء دولة التعبئة فى مصر، وعلى رأسهم رفاعة رافع الطهطاوي، وعلى مبارك، ومحمد عبده، ولطفى السيد وطه حسين، وعلى مصطفى عبد الرازق، وأحمد أمين والعقاد وعثمان أمين، ويوسف كرم، وسلامة موسى، وعبدالرحمن بدوي، وزكى نجيب محمود، وتوفيق الحكيم، ونجيب محفوظ، ولويس عوض .. الخ، وهم أنماط من مثقفى المرحلة شبه الليبرالية الكبار. يتناسى بعض هؤلاء أن هذه النماذج المثالية - وفق تنظيرات ماكس فيبر - متغيرة وفق تطور المجتمع وتحولاته السياسية والثقافية والمعرفية. من هنا ثمة اعادة انتاج واعية أو لا واعية للمثقف فى مرحلة النهضة المصرية والعربية غير المكتملة، أو المرحلة شبه الليبرالية فى مصر، أو مرحلة التحرر الوطني، ومن ثم يبدو أننا أمام تنظيرات مفارقة للواقع الموضوعى وتحولاته عموماً وفى حقل المثقف وأدواره فى مصر وعالمها العربى منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضى وحتى غزو الثقافة الرقمية وثوراتها الاتصالية ونظامها اللغوى والدلالى المتغير. من الملاحظ أن مثقفى المراحل السابقة لاسيما عصر التحرر الوطنى ودولة التعبئة والاستقلال، غالبهم لا يزالون أسرى ثقافتهم وتكوينهم وأدوارهم وآلامهم من الصراع مع السلطة الغاشمة فى هذه المرحلة، وتدور كتاباتهم حول دراما المثقف وتراجيديا الصراع مع التسلطية السياسية، والتسلطية الدينية، وديكتاتورية سلطة الأعراف والمواريث والمحرمات الاجتماعية، التى يقع المثقف ودوره ضحية لها فى مناقشة ونقد هذه التسلطيات على اختلافها، وفى محاولة تحرير مجتمعه ودفعه للانطلاق نحو التطور الاجتماعى والسياسى والتحرر الثقافي، ومحاولة اللحاق بالتحولات الكبرى فى عالمه المتغير والهادر بالاكتشافات العلمية والتقنية فى مختلف المجالات. قدم المجتمع المصرى - والعربى - المثقف قرباناً للسلطة الغاشمة فى عديد المراحل كى تذبحه أو تعتقله تحت شعارات التكفير الوطنى والتكفير الدينى والتكفير المذهبي، على نحو أدى الى افقار الثقافة والمجتمع والدولة والنظام من مواهبه اللامعة لاسيما اذا كانت تتسم بالجسارة والعقل النقدى المفتوح. الخطاب حول المثقف لايزال يركز على المثقف الورقى اذا جاز التعبير، ويتناسى ويختصر عملية تاريخية جديدة تتشكل جنينيًا وهى المثقف الرقمى الذى يتشكل الآن فى رحم الثورة الرقمية، ويبتدع عبر لغتها الجديدة خطاب التغريدات، واللغة الساخرة - أحد تجليات الشرط ما بعد الحديث - والمحاكاة الساخرة، واللغة والمجازات البذئية والجنسية والوقحة فى بعض الأحيان. مثقف لايزال فى طور التكوين وغائم فى نمو خلاياه. كما برز فى الانتفاضات الثورية، فى مصر وتونس وبعض دول المنطقة العربية. لايزال هذا الجنين موضعاً لرفض ونبذ بل واحتقار بعض المثقفين الورقيين له، واعتباره سطحياً ومبتذلاً وتافهاً واغفال أن مستقبل المثقف وحقله ينسج على نحو سريع من بين خلاياه الوليدة على الفضاءات الرقمية الهادرة بالتغير والتشكل والقطيعة مع ما قبلها من الرقميات والمجتمعات الفعلية. من ثم نحتاج الى النظر بموضوعية وعمق لهذه الظواهر الجديدة والمتغيرة دونما استعلاء أو اقصاء أو احتقار أياً كان واقعها الحالى الصادم لبعض المفكرين والمثقفين لأن ثقافة المستقبل ربما تبدأ حركة تشكلها ومعها فاعليها الآن على الواقع الافتراضى وفضاءات الحرية داخله التى يبدو أن لا حدود لها ثقافة العوالم الجديدة يبدو أنها تتجاوز مرحلة ما بعد الحداثة، ومن ثم يبدو أن قدرة الثورة الرقمية والتقنية الهائلة تحطم ما تبنيه، ثم تؤسس لما بعده، وهكذا على نحو سريع ومن ثم لم تعد مفاهيمنا ومناهجنا وأدواتنا الحالية قادرة على فهم وتحليل وتفسير وسّبرُ أغوار عالم سائل ومضطرب وهادر بالتغير السريع.
لمزيد من مقالات نبيل عبدالفتاح


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.