* إحلال التسوية الشاملة والعادلة للقضية الفلسطينية يفوت الفرصة على قوى التطرف والإرهاب
* الإرهاب «وباء لعين» يستشرى فى العالم.. ومصر طرحت رؤية شاملة للقضاء عليه
أكد الرئيس عبد الفتاح السيسى أن انعقاد القمة العربية - الأوروبية الأولى ومستوى الحضور الرفيع خير دليل على أن ما يجمع المنطقتين، العربية والأوروبية، يفوق ما يفرقهما، كما يعكس الاهتمام والحرص المتبادل، لدى الطرفين العربى والأوروبي، على تعزيز الحوار والتنسيق فيما بينهما بصورة جماعية، تدعيما لقنوات التواصل القائمة بالفعل على المستوى الثنائي، وأملاً فى الوصول لرؤية وتصور مشترك، لكيفية التعامل مع الأخطار والتحديات المتصاعدة، التى باتت تهدد الدول والمنطقة بعدما صار التغلب على تلك التحديات بجهود فردية أمرا يصعب تحقيقه. جاءت تصريحات الرئيس خلال كلمته التى ألقاها فى الجلسة الافتتاحية للقمة العربية الأوروبية بشرم الشيخ مساء أمس. ورحب الرئيس بالضيوف المشاركين فى بقعة غالية من أرض مصر، مدينة السلام شرم الشيخ، التى تجسد اقتناعا مصريا راسخا وعملا دءوبا، نحو تحقيق السلام والاستقرار والتنمية. وأضاف الرئيس أن المدينة الآمنة،التى يزورها ويختلط فيها مواطنو كافة دول العالم، تجسد أسمى قيم التعايش والتعارف والمحبة، التى كان شاهداً عليها ما احتضنته هذه المدينة، من ملتقيات تاريخية ومؤتمرات متعددة، سعت كلها إلى تعزيز الروابط الإنسانية، وصولاً إلى ما نصبو إليه جميعاً، من إرساء السلام والإخاء بين بنى البشر. وأضاف أنه من دواعى سروره، أن تستضيف مصر أول قمة عربية أوروبية، وهذا ليس بغريب على مصر، التى شهد تاريخها على مدار آلاف السنين، امتزاجا فريدا بين الحضارات وتفاعلا ندر نظيره بين الشعوب. وقال الرئيس إن الدول العربية ودول الاتحاد الأوروبى ارتبطت بأواصر وعلاقات تاريخية من التعاون عبر المتوسط، استندت فى متانتها وقوتها إلى اعتبارات القرب الجغرافي، والامتداد الثقافي، والمصالح المتبادلة عبر العقود، بل والقيم المشتركة والرغبة الصادقة، التى ستظل هذه الدول سويا من أجل إحلال السلام والاستقرار، ومواجهة ما يفرضه واقع اليوم من تحديات، وعلى رأسها تفاقم ظاهرة الهجرة، وتنامى خطر الإرهاب، الذى بات – مع الأسف - أداة تستخدمها بعض الدول، لإثارة الفوضى بين جيرانها، سعيا منها لتبوؤ مكانة ليست لها، على حساب أمن وسلامة المنطقة. وأكد الرئيس، خلال كلمته، أن خطر الإرهاب البغيض بات يستشرى فى العالم كله كالوباء اللعين، سواء من خلال انتقال العناصر المتطرفة عبر الحدود من دولة إلى دولة، أو باتخاذهم بعض الدول ملاذا آمنا، لحين عودتهم لممارسة إرهابهم المقيت، أو من خلال حصولهم على الدعم والتمويل، مختبئين وراء ستار بعض الجمعيات المشبوهة، وأخيراً وليس آخراً، عبر توظيفهم لوسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، لتجنيد عناصر جديدة والتحريض على العنف والكراهية. وقال الرئيس : «إننا اليوم فى أمَّس الحاجة، لتأكيد وحدتنا وتعاوننا أمام هذا الخطر، والوقوف صفاً واحدا ضد هذا الوباء، الذى لا يمكن تبريره تحت أى مسمي، فالإرهاب مختلف كل الاختلاف عن المعارضة السياسية السلمية، التى نقبلها جميعا كظاهرة صحية ومقوم أساسى لأى حياة سياسية سليمة» ، مضيفا أن مصر طرحت رؤية شاملة، للقضاء على خطر الإرهاب وآثاره السلبية على التمتع بحقوق الإنسان، خاصة الحق فى الحياة، وغيرها من الحقوق الراسخة، مشيرا إلى أن مصر استطاعت بالحوار والتعاون أن تربط بين هذه الرؤية والموقف الأوروبي، القائم على أهمية احترام حقوق الإنسان خلال محاربة الإرهاب، وهو ما لا نختلف عليه بل نمارسه على أرض الواقع. وأضاف الرئيس أن هذه التحديات المشتركة تجسدت أيضاً فى بؤر الصراعات فى المنطقة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، التى تمثل قضية العرب المركزية والأولي، وإحدى الجذور الرئيسية لتلك الصراعات، بما تمثله من استمرار حرمان الشعب الفلسطينى من حقوقه المشروعة، بل واستمرار إهدار حقوق الإنسان الفلسطيني، والتى يغفلها المجتمع الدولي، كما يؤجج هذا الوضع غياب الرغبة السياسية الحقيقية، نحو التوصل إلى تسوية شاملة وعادلة، على الرغم من أن مرجعيات هذه التسوية باتت معروفة، وموثقة فى قرارات للشرعية الدولية عمرها من عمر الأممالمتحدة، ويتم تأكيدها وتعزيزها سنوياً، وإن طال انتظارنا لتنفيذها. وحذر الرئيس من تداعيات استمرار هذا النزاع على كافة الدول، مشيرا إلى أنه من مفارقات هذا النزاع، أن إحلال التسوية الشاملة والعادلة، دون انتقاص لكافة حقوق الشعب الفلسطينى ووفقاً لمرجعيات الشرعية الدولية، يمثل نفعا مشتركا لكافة الأطراف الإقليمية والدولية، كما سيفوت الفرصة على قوى التطرف والإرهاب، لصرف انتباه الأجيال الشابة، التى لم تعرف سوى الاحتلال والحروب، عن الالتحاق بركب التقدم والتنمية. وقال إن ترك النزاعات فى ليبيا وسوريا واليمن، وسائر المناطق التى تشهد تناحراً مسلحاً، بدون تسوية سياسية، لا يمكن إلا أن يمثل تقصيراً، ستسألنا عنه الأجيال الحالية والقادمة، والتى بات ينتقل إليها عبر وسائل الإعلام الحديث، التفاصيل الدقيقة لهذه الكوارث الإنسانية، لحظة بلحظة. وأوضح الرئيس أن ما تقدم من وصف، لم يكن بغرض رسم صورة قاتمة للأوضاع فى المنطقة، وإن كانت الصورة قاتمة بالفعل فى الوقت الراهن، وإنما كان الغرض منه التحدث بالصراحة اللازمة لمواجهة تلك التحديات. وقال : « إنه على الرغم من إقرارنا، بأنه لا توجد «حلول سحرية» لتجاوز تلك التحديات، إلا أن علينا استشراف بعض الخطوط العريضة كمفتاح للحل وهى أن تاريخ منطقتنا الحديث أثبت أن استمرارية كيان الدولة الوطنية وصيانتها، وإصلاحها فى الحالات التى تقتضى ذلك، هو مفتاح الاستقرار، والخطوة الأولى على طريق إعادة الأمن للشعوب، التى طالها الخوف والقلق على المستقبل، وبما يفتح الباب أمام جهود التنمية. ومن ثم، فإنه يتعين تعزيز التعاون بين دولنا، بغرض تدعيم مؤسسات الدولة لمواجهة التحديات الصعبة، مع الاعتداد بمبدأ المواطنة فى مواجهة دعوات الطائفية والتطرف. وأشار إلى أن الدولة هى المسئولة بصفة أساسية عن ضبط حدودها، وضمان احترام حكم القانون، وصيانة أرواح وحقوق مواطنيها، ولذا فلا يمكن الاعتداد بأية دعوة، أياً كان مصدرها أو دافعها، من شأنها الدفع نحو هدم الدول ومؤسساتها، حيث أن ذلك وبكل بساطة، ينافى كل منطق، كما يتناقض مع التجربة التاريخية الحديثة التى عايشتها شعوب المنطقة، مع التأكيد بالتوازى على حق الشعوب، فى تلبية طموحاتها المشروعة، فى الديمقراطية والتنمية، فى إطار الدولة الوطنية المدنية الحديثة. وتساءل الرئيس: ألم يحن الوقت للاتفاق على مقاربة شاملة لمكافحة الإرهاب؟ بحيث تتضمن، كمكون أساسي، مواجهة أمنية صارمة مع التنظيمات والعناصر الإرهابية، ومواجهة فكرية مستنيرة مع منابعهم الأيديولوجية، كعنصر لا يقل أهمية، وكذلك منع التمويل والدعم المقدم لهم، ووقف التحريض الذى يقومون به، كعناصر مكملة لهذه المقاربة الشاملة. وفى إطار هذه المقاربة، وبغرض ضمان إنجاحها، أكد الرئيس أهمية التنفيذ الكامل لجميع أركانها، وأنها لن تكلل بالنجاح حال عدم تكاتفنا جميعاً لتنفيذها، أو الوقوف معاً بحزم أمام أى طرف يرفض تنفيذها تحت أية دعوي. وأضاف الرئيس ان ثالث الخطوط العريضة، هى أنه أصبح من الضرورة القصوى أن تتحول منطقة الشرق الأوسط من منطقة «للنزاعات» إلى منطقة «للنجاحات»، وهو ما يستلزم التعاون الصادق بين منطقتينا الأكثر تضرراً بهذه النزاعات، واللتان ستكونان الأكثر استفادة على الإطلاق من هذه النجاحات، مما يستدعى التغاضى عن المصالح الضيقة، والعمل مع أطراف النزاع، عبر التحفيز وأحياناً الضغط المحسوب، بهدف تنفيذ القرارات الأممية، والتى تمثل نهجاً ملزماً متفقاً عليه، لتسوية تلك النزاعات. وقال الرئيس : «مثلما تتعدد التحديات المشتركة التى تواجه منطقتنا، تتعدد الفرص التى إن استثمرناها جيداً، ستكون خير سند لنا فى مواجهة التحديات. وأضاف أن التعاون الاقتصادى من شأنه أن يصب فى تحقيق الرخاء على ضفتى المتوسط، وهو ما يتطلب منا أن ننظر بعين التكامل، لا التنافس، إلى العلاقات الاقتصادية بين منطقتينا، استثمارا للميزات التنافسية لدى الجانبين، خاصة فى ضوء وفرة مجالات التعاون الاقتصادي، سواء فى المجالات الصناعية، أو الزراعية، أو الطاقة، أو النقل، أو غيرها. وأضاف أنه ينظر إلى قضية الهجرة ليس كتحد، بل كمجال واعد للتعاون، يحمل فى طياته العديد من الثمار المشتركة، سواء للمنطقة العربية التى تتميز بوفرة الأيدى العاملة، والمنطقة الأوروبية التى تتطلب اقتصاداتها مصادرً متنوعة من قوى العمل. وأكد أ ن التعاون بين المنطقتين العربية والأوروبية لضمان الهجرة الآمنة والنظامية من شأنها تحقيق العديد من المصالح المشتركة، مع العمل بالتوازى على مكافحة أنشطة الإتجار فى البشر فى إطار جهودنا المشتركة لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود، أخذا فى الاعتبار كذلك ضرورة احترام مبدأ سيادة الدول، والابتعاد عن المقاربات المصممة لتصدير التحدى لمنطقة بعينها، وكذا ضرورة أن نضع نصب أعيننا الأسباب الجذرية لهذا التحدي. وأشار إلى أن مصر تستضيف ملايين اللاجئين، يعيشون بين المصريين ويتلقون خدمات حكومية فى التعليم والصحة كنظرائهم المصريين، رغم الظروف الاقتصادية الصعبة التى مرت بها فى السنوات الأخيرة، كما نجحت مصر فى وقف أية محاولات للجوء أو الهجرة غير الشرعية عبر شواطئها منذ سبتمبر 2016، ودخلت فى حوارات ثنائية مع عدد من الدول الأوربية، لتأسيس تعاون ثنائى للتعامل مع تلك الظاهرة، ليس فقط من حيث تداعياتها، وإنما من حيث أسبابها. ولقد شهد عام 2018 تطوراً نوعياً، تمثل فى بلورة عَقد دولى للهجرة الآمنة والنظامية، بعد تفاوض شاق، ليتم إقراره فى ديسمبر 2018 بالمغرب. وتوجه الرئيس فى ختام كلمته بالحديث إلى شعوب المنطقتين وإلى جميع الشعوب المُحبة للسلام قائلا: «أيتها الشعوب العظيمة المحبة للسلام، أوجه لكم من هذه القمة رسالة حب وتآخ، داعياً إياكم إلى عدم الالتفات لدعاة الفرقة والكراهية، أو لهؤلاء الذين يحاولون شيطنة الغير عبر وضعهم فى قوالب، أو ادعاء الأفضلية بناءً على عرق أو جنس أو دين، فإن كل فرد منا على اختلافه، يسعى لعالم أفضل له وللأجيال من بعده، وما من سبيل لذلك، إلا من خلال التعاون، والتعلم من الآخر وقبوله، فدعونا ننطلق نحو رحاب أوسع من العمل المشترك، مستندين إلى قيم حضارتنا الإنسانية، وإلى يقيننا فى وحدة مصير جميع البشر».