* الاجتهاد الجماعى أساس عملنا للتفاعل مع المستجدات والرد على المتشددين * ندعو الجاليات المسلمة الى المحافظة على هويتها وأداء واجبات المواطنة أكد الدكتور عبد السلام داود العبادى أمين مجمع الفقه الإسلامى الدولى التابع لمنظمة التعاون الإسلامى أن الأزهر يقوم بدور فعال فى خدمة القضايا الإسلامية، واصفا الوثيقة التى أطلقها مؤتمر أبو ظبى أخيرا بمشاركة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر والبابا فرانسيس بابا الفاتيكان بأنها تاريخية.. فى حواره ل«الأهرام»، تطرق العبادى إلى رؤية المجمع لمسألة التجديد فى الفكر الإسلامى وتنقية التراث الفقهى وكيفية تجاوز الغلو والغلاة ممن ينتمون إلى الإسلام فأساءوا إليه. قضايا عديدة طرحناها على الدكتور العبادى الذى عمل قبل أن يتبوأ منصبه الحالى، وزيرا للأوقاف والشئون والمقدسات الإسلامية ورئيسا لجامعة آل البيت بالأردن خلال مشاركته فى مهرجان منظمة التعاون الإسلامى الثقافى بالقاهرة أخيرا: كيف ترى عمل المجمع الذى يبدو أنه لا يحظى بمتابعة إعلامية تقربه إلى الرأى العام الإسلامى؟ جاء تأسيس مجمع الفقه الإسلامى الدولى التابع لمنظمة التعاون الإسلامى، باكورة لقرارات مؤتمر القمة الإسلامى الثالث، الذى عقد فى مكة عام 1981 برئاسة العاهل السعودى الراحل الملك خالد بن عبد العزيز، الذى طالب فى كلمته بإنشاء مجمع يضم فقهاء وعلماء ومفكرى العالم الإسلامي، ليكون مؤسسة اجتهاد جماعى فى القضايا الحادثة والأمور المستجدة، وبدأت انطلاقة المجمع الفعلية عام 1984، بمشاركة ممثلى الدول الأعضاء بالمنظمة، وقام فى ذلك الوقت باختيار ثلث أعضائه من العلماء الذين يمثلون الجاليات الإسلامية فى العالم، والمؤسسات النظيرة له، ومن بينها مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف ومجمع البحوث الإسلامية بالأردن وغيرهما فى العالم الإسلامى، ومنذ ذلك التاريخ عقد المجمع 23 دورة، تمكنت من تغطية العديد من القضايا والمسائل المستجدة بما يشمل الأمور الفكرية والعملية، وبحسب نظامه الأساسى الجديد الذى أقر فى 2006, يشكل المجمع المرجعية الفقهية للأمة. ما طبيعة التعاون مع الأزهر؟ الأزهر الشريف يقوم بدور بالغ الأهمية والحيوية فى خدمة البلاد الإسلامية، من خلال التعليم وإصدار الفتاوى, والتصدى لقضايا التعاون والترابط بين الشعوب الإسلامية، لذلك فإنه من الأمور الأساسية أن مجمع الفقه الإسلامى الدولى، اختار عددا من المجامع الفقهية الراسخة فى عضويته للاستفادة منها فى فعالياته وقراراته، كان فى مقدمتها مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر. ما رؤية المجمع لتجديد الخطاب الدينى؟ يقوم المجمع بعرض أحكام الدين فى القضايا المعاصرة، وفق اجتهاد جماعى مستقر يدافع عن ثوابته، ويفند أى شبهة تعترض ذلك، وفق منظور علمى معاصر سديد، وهو ما يتجلى فى الرفض القوى لكل عمليات الإساءة والتشويه لهذا الدين الحنيف, والتى يطلق عليها هذه الأيام »الإسلاموفوبيا« أو كراهية الإسلام، نتيجة للأخطاء والممارسات التى ترتكب باسمه, كما يظهر فى الإرهاب والتطرف, وقد أصدر المجمع سلسلة من القرارات المتميزة فى هذا الحقل لمواجهة الإرهاب والتطرف والتشدد، كما أعد كتابا موسعا حول موقف الإسلام من الفكر المتطرف، وما يسمى الإرهاب فى هذه الأيام، فند فيه كل المقولات المرفوضة لهذا الدين بالإضافة إلى الممارسات الخاطئة التى يقوم بها بعض المغالين التى يرفضها الدين الإسلامى رفضا تاما. تتصاعد دعوات للمطالبة بتنقية التراث الفقهى .. ما موقف المجمع منها؟ نظرتنا الى الفقه تتمثل فى أنه يمثل ثمرة ونتاج تحكيم شريعة الله فى أفعال العباد ومستجدات الحياة، فقد عرّف العلماء الفقه بأنه العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب والمستمد من أدلتها التفصيلية، فإذا وقعت الحادثة أو الأمر المستجد فيقوم الفقيه بمواجهته فيعرف حقيقته وأبعاده لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره وبعد أن يتصوره ويفهمه حق الفهم يتوجه به نحو نصوص الشريعة لمعرفة حكمه، فإن كان منصوصًا عليه بشكل مباشر عرف حكمه فورًا، وإلاّ قام باستنباط حكمه واستخراجه مستعينًا فى ذلك بالقواعد التى بيّنها علم أصول الفقه، وما يخرج به من أحكام بعلمه عند ذلك، هو الفقه , لذا فعملية الفقه تقوم على الاستمداد المباشر من الأدلة التفصيلية، لذا فهى العملية الاجتهادية التى تصبح مَلكة عند الفقيه، وقدرة تمكنه من الاستمداد والاستنباط، لذلك إذا كانت المعرفة بالأحكام الشرعية تقوم على الحفظ، وليس على الاستمداد المباشر من الكتاب والسنّة لا يسمى الذى حصلها فقيهًا. هل أفهم من ذلك أن لكم مفهوما محددا تجاه الاجتهاد الفقهى؟ بالطبع الاجتهاد حاجة ملحة من حاجات الأمة، وهو معرفة حكم الله فى الحوادث والقضايا المستجدة ولذا يعتبر القيام به وتعلمه فى النظر الإسلامى من فروض الكفاية التى لا بد من أن تتوافر بالقدر الذى يفى بحاجة الأمة، وإلاّ أثمت الأمة بتركها له، وكان على رأسهم القادرون عليه، والمسئولون عن مسيرة الأمة وقيادتها إلى شاطئ السلامة والأمان فى الدنيا، ولاشك أن الحاجة إلى قيام ما يسمى الاجتهاد الجماعى برزت عن طريق المجالس العلمية والمجامع الفقهية فى ظل حاجة الأمة إلى توافر القدرات المتميزة، والكفاءات الضرورية، وبالأعداد الكافية للتصدى للقضايا المعاصرة والمشكلات الحديثة على تنوعها وتعدد آفاقها، فضلا عن تعقد هذه القضايا والمشكلات، وحاجتها إلى الخبراء والمختصين، والدراسات العميقة فى كل مشكلة أو قضية على حدة. لكن هناك من يحاول بحجة تنقية التراث الفقهىأن يقفز على ثوابت الدين بزعم أنها لا تتناسب مع العصر ومتطلباته؟ نحن لا نقيم وزنا لأى فهم آخر غير هذا الفهم, ونعمل على القضاء على أى فكر خاطئ فى هذا المجال, يقدمه هؤلاء الغلاة المتطرفون, محاولة للخصم من الرصيد السليم والسديد الذى يعتمد على النظر الفقهى الأصيل, ويقوم على قواعد الاجتهاد الجماعى المعاصر, وغير ذلك, وهو ما يتضح بشكل جلى فى قرارات المجمع بخصوص هذه القضايا. وثيقة «الأخوة الانسانية» بأبوظبي.. كيف تقرأون دلالات إصدارها فى هذا التوقيت؟ هذا عمل كبير وجيد, قام به الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر والبابا فرانسيس بابا الفاتيكان، والوثيقة تاريخية فى تقديرى, وهو ما يتسق مع الجهد الذى يبذله مجمع الفقه الإسلامى الدولى, والذى تبنى فى دورته الأخيرة, بالمدينةالمنورة فى نوفمبر الماضى إعلان «المدينةالمنورة للتعايش الكريم فى ظل الإسلام», سواء فيما بين المسلمين وبعضهم البعض، أو بينهم وبين غيرهم، وكل ذلك يتفق مع أول وثيقة أصدرها الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فى المدينةالمنورة. ما زالت النظرة المعادية للإسلام والمسلمين تتنامى فى أوروبا وغيرها.. فكيف تفسر ذلك؟ لاشك أن كثيرا من هذه الدول تجهل حقائق الإسلام, ومن ثم لابد من التعريف بها وفق منهجية «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن»، وذلك هو أساس الحوار المطلوب مع الآخر لإثبات الحق من وجهة النظر الإسلامية, وهناك جهات إسلامية عديدة تعمل على إزالة الدافع المتمثل فى الجهل، أما إذا كان الدافع هو الحق, فذلك أمر آخر يتطلب المواجهة فى المستقبل. كيف يتفاعل المجمع مع الجاليات الإسلامية بالخارج؟ للمجمع قرارات واضحة, أكد فيها ضرورة المحافظة على هويتهم الإسلامية, وفى الوقت ذاته القيام بواجباتهم كاملة تجاه حق المواطنة فى الدول التى يوجدون بها .