تعد الصين ثانى أكبر اقتصاد بعد الولاياتالمتحدةالأمريكية، حيث يُشكل اقتصادها حالياً نحو 15% من الاقتصاد العالمى بعدما كان يمثل 4% فقط عام 2000, وهى تعد أكبر دولة فى العالم من حيث عدد السكان، وذلك وفقاً لتقديرات منظمة الأممالمتحدة التى قدرت عدد سكانها بنحو 1.4 مليار نسمة وهو ما يمثل 19% من سكان العالم. إلا أنها خلال السنوات الأخيرة تواجه صعوبات حادة يعد أخطرها شيخوخة السكان السريعة، حيث إنه وفقًا لتوقعات الحكومة الصينية سيصل نحو ربع سكان الصين إلى سن الستين أو أكثر بحلول عام 2030، مما يشير إلى مخاطر فى مهارات العمالة وتقلص قوة العمل، فضلاً عن المخاطر المالية المتمثلة فى نفقات الرعاية الصحية والمعاشات التقاعدية للمسنين نظراً لأن مساهمات العمال الصينيين قد لا تغطى فوائد المتقاعدين, بالإضافة إلى عدم وجود ما يكفى من الأشخاص القادرين على العناية بكل هؤلاء المسنين. وبالتالى فإن الأمر يحتاج إلى تخطيط دقيق لضمان عدم توقف النمو ، خاصةً أنه وفقا لوتيرة نمو الصين فإن عام 2030 يفترض فيه أن يفوق اقتصادها الولاياتالمتحدةالأمريكية، لذا يراهن العديد من الاقتصاديين على قدرتها على تخطى تلك الأزمة. وفى هذا السياق، حاولت الصين التخفيف من حدة تلك الأزمة الديموغرافية من خلال اتخاذ الحكومة عدداً من الإجراءات خلال السنوات السابقة لتشجيع الإنجاب والتى تشمل تخفيف القيود على حجم الأسرة الصينية. ففى نوفمبر 2013، أعلنت الصين قرار تخفيف سياسة الطفل الواحد بموجب سياسة جديدة فحواها أن يكون للعائلات طفلان إذا كان أحد الوالدين وليس كلاهما هو الابن الوحيد لأبويه, تلى ذلك السماح للأسر بإنجاب طفلين فى عام 2016 إلا أن العديد من الأسر لم تقتنع بذلك. وفى عام 2018، استبعد البرلمان الصينى حدود تنظيم الأسرة من مسودة القانون المدنى الجديد؛ بالإضافة إلى الإشارة فى مؤتمر للأمم المتحدة إلى أن الصين لن تضع حدوداً سكانية فى المستقبل. وعلى الرغم من ذلك، لم تشر أعداد المواليد إلى الزيادة المستهدفة من قبل الحكومة الصينية، حيث بلغ عدد المواليد الجدد فى عام 2016 نحو 18.5 مليون أى بزيادة أكثر من 2 مليون مقارنة بعام 2015، على الرغم من أن متوسط عدد المواليد لكل امرأة على مدى العمر 1.7 وهو لا يزال أقل من نسبة 2.1 اللازمة للحفاظ على عدد ثابت من السكان. ومع ذلك، فوفقاً لبيانات المكتب الوطنى للإحصاءات فى الصين فقد انخفضت المواليد إلى 17.2 مليون فى عام 2017 ، وإلى 15.23 مليون مولود حى فى عام 2018 أى انخفاض بنحو 2 مليون. أيضاً، تشير تقارير الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية إلى أن التراجع فى معدلات الخصوبة سيؤدى إلى انخفاض فى إجمالى عدد السكان إلى مستويات عام 1990 عند 1.172 مليار بحلول عام 2065. وفى هذا الصدد فإن صناع السياسة فى حاجة إلى اتخاذ إجراءات صارمة لمواجهة تلك الشيخوخة لما لها من تأثير على سوق العمل، حيث إن القوى العاملة الصينية متوقع انخفاضها بنسبة 23 % بحلول عام 2050. نظراً لأن التكوين المهنى غير قادر على ملء الفجوة بين العرض والطلب بسرعة كافية، وبالتالى فإن زيادة الطلب على العمالة أدى إلى ارتفاع تكاليف العمالة لاسيما العمالة ذات المهارات العالية, حيث تُظهر بيانات وزارة الموارد البشرية والضمان الاجتماعى الصينية أن العمال المهرة لا يمثلون سوى 19% من إجمالى القوة العاملة، وأن العمال ذوى المهارات العالية يشكلون 5% فقط، أما العمالة ذات المهارات المتدنية فلا توجد فجوة بين الطلب والعرض تقريباً فى تلك الفئة بسبب وفرتها. وعلى الرغم من جميع التحديات التى تواجهها الحكومة الصينية فإنها كعادتها استحدثت العديد من التدابير فى السنوات القليلة الماضية للتصدى لتلك الأزمة، مثل تحديث قاعدتها الصناعية، وإدخال الروبوتات فى قطاع التصنيع، وسرعة تدريب العمالة للوصول بها إلى حد المهارة العالية، ورفع الحد الأدنى لسن التقاعد، ونقل الشركات إلى الخارج. وأخيرا، فرغم من جميع التحديات التى تواجه الصين فإن العديد من الاقتصاديين يثقون بقدرتها على تخطى تلك الأزمة وتحقيق آفاق نموها الاقتصادى المنشودة لعام 2030. لمزيد من مقالات ◀ لبنى عبدالحميد