الصحة: خدمات شاملة لدعم وتمكين ذوي الهمم لحصولهم على حقوقهم    أحمد حمدي يكتب: هيبة المعلم    بالمستند.. أكاديمية المعلم تقرر مد موعد المتقدمين لإعادة التعيين كمعلم ل31 ديسمبر    One Circle يطلق مرحلة جديدة لتطوير الاقتصاد الدائري بقطاع الاتصالات    نائب وزير المالية: تمويل 100 ألف مشروع جديد للانضمام للمنظومة الضريبية| فيديو    في جولة محطة العبادلة بالقليوبية.. فودة يشدد على التشغيل القياسي وتعزيز خطط الصيانة    ماكرون يبدأ زيارته الرابعة إلى الصين وملف أوكرانيا حاضر بقوة على الطاولة (فيديو)    ويتكوف وكوشنر يبلغان ترامب بنتائج محادثات موسكو مع بوتين    وسائل إعلام: ماكرون سيعلن عن تعديلات على العقيدة النووية الفرنسية مطلع العام القادم    د. خالد سعيد يكتب: إسرائيل بين العقيدة العسكرية الدموية وتوصيات الجنرال «الباكي»    موعد مباريات اليوم الخميس والقنوات الناقلة    إصابة 5 أشخاص بينهما شقيقتان في تصادم توكتوكين ب"ملاكي" بالدقهلية    حلمي عبد الباقي يكشف إصابة ناصر صقر بمرض السرطان    دراما بوكس| بوسترات «سنجل ماذر فاذر».. وتغيير اسم مسلسل نيللي كريم الجديد    أحمد مراد: رؤية فيلم "الست" تناسب جيل "زد" الذي لم يعش زمن أم كلثوم    منى زكي: فيلم "الست" أصعب أدواري على الإطلاق وتجسيد الشخصية أكبر من أي ممثلة    جمال شعبان يُحذر: ارتفاع ضغط الدم السبب الرئيسي للفشل الكلوي في مصر!| فيديو    نجاح جراحة دقيقة لمريض يعاني أعراضًا تشبه الجلطة في الجانب الأيسر    لا خوف من الفيروسات.. الصحة توضح سبب شدة الأعراض في هذا الموسم    أستاذة بمعهد بحوث تكنولوجيا الأغذية تكشف أفضل أساليب الطهي للحفاظ على جودة اللحوم    وصول جثمان السباح يوسف محمد لمسجد الكريم ببورسعيد لأداء صلاة الجنازة.. فيديو    أكسيوس: إسرائيل تحذر من استئناف الحرب في حال استمرار تسلح حزب الله    محمد رجاء: لم يعد الورد يعني بالضرورة الحب.. ولا الأبيض يدل على الحياة الجميلة    موعد صلاة الفجر.....مواقيت الصلاه اليوم الخميس4 ديسمبر 2025 فى المنيا    وزير الثقافة يُكرّم المخرج القدير خالد جلال في احتفالية كبرى بالمسرح القومي تقديرًا لإسهاماته في إثراء الحركة المسرحية المصرية    حظر النشر في مقتل القاضى "سمير بدر" يفتح باب الشكوك: لماذا تُفرض السرية إذا كانت واقعة "انتحار" عادية؟    استشهاد 5 فلسطينيين في غارات الاحتلال على خيام النازحين في خان يونس    القانون يحدد عقوبة صيد المراكب الأجنبية في المياه الإقليمية.. تعرف عليها    كأس إيطاليا – إنتر ونابولي وأتالانتا إلى ربع النهائي    خبر في الجول - انتهاء مهلة عبد الحميد معالي ل الزمالك في "فيفا" ويحق له فسخ التعاقد    وليد صلاح الدين: لم يصلنا عروض رسمية للاعبي الأهلي.. وهذا سبب اعتراضي على بسيوني    اليوم، آخر موعد لاستقبال الطعون بالمرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب    تواصل عمليات البحث عن 3 صغار بعد العثور على جثامين الأب وشقيقتهم في ترعة الإبراهيمية بالمنيا    حريق بجوار شريط السكة الحديد بالغربية.. والحماية المدنية تُسيطر على ألسنة اللهب    أحدهما دخن الشيشة في المحاضرة.. فصل طالبين بالمعهد الفني الصناعي بالإسكندرية    محافظة الجيزة يتفقد أعمال إصلاح الكسر المفاجئ لخط المياه الرئيسي بشارع ربيع الجيزي    علاج ألم المعدة بالأعشاب والخلطات الطبيعية، راحة سريعة بطرق آمنة    احذر.. عدم الالتزام بتشغيل نسبة ال5% من قانون ذوي الإعاقة يعرضك للحبس والغرامة    قناة الوثائقية تستعد لعرض سلسلة ملوك أفريقيا    النيابة الإدارية يعلن فتح باب التعيين بوظيفة معاون نيابة إدارية لخريجي دفعة 2024    هل يجوز لذوي الإعاقة الجمع بين أكثر من معاش؟ القانون يجيب    هجوم روسي على كييف: أصوات انفجارات ورئيس الإدارة العسكرية يحذر السكان    بيراميدز يتلقى إخطارًا جديدًا بشأن موعد انضمام ماييلي لمنتخب الكونغو    الحكومة: تخصيص 2.8 مليار جنيه لتأمين احتياجات الدواء    الإسكان تحدد مواعيد تقنين الأراضى بمدينة العبور الجديدة الإثنين المقبل    استئناف المتهمة في واقعة دهس «طفل الجت سكي» بالساحل الشمالي.. اليوم    بالأسماء.. إصابة 8 أشخاص في حادث تصادم ب بني سويف    أهلي بنغازي يتهم 3 مسؤولين في فوضى تأجيل نهائي كأس ليبيا باستاد القاهرة    الشباب والرياضة: نتعامل مع واقعة وفاة السباح يوسف بمنتهى الحزم والشفافية    تصادم موتوسيكلات ينهى حياة شاب ويصيب آخرين في أسوان    العناية الإلهية تنقذ أسرة من حريق سيارة ملاكى أمام نادى أسوان الرياضى    ألمانيا والنقابات العمالية تبدأ مفاوضات شاقة حول أجور القطاع العام    مصر تستورد من الصين ب 14.7 مليار دولار في 10 أشهر من 2025    آثار القاهرة تنظم ندوة علمية حول النسيج في مصر القديمة واتجاهات دراسته وصيانته    هل يعتبر مريض غازات البطن من أصحاب الأعذار ؟| أمين الفتوى يجيب    في يومهم العالمي.. 5 رسائل من الأزهر لكل أسرة ترعى طفلا من ذوي الإعاقة    وكيل لجنة مراجعة المصحف ورئيس منطقة الغربية يتفقدان مسابقة الأزهر السنوية لحفظ القرآن الكريم    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 3ديسمبر 2025 فى المنيا.. اعرف مواقيت صلاتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الأهرام» تحتفى بذكرى ميلاده..
محمد نجيب .. الزعيم النبيل
نشر في الأهرام اليومي يوم 19 - 02 - 2019

حفيدته نعمة : رفضنا كل عروض التكريم «الخارجية».. و«طرنا من الفرحة»
بعد إطلاق اسمه على أكبر قاعدة عسكرية فى الشرق الأوسط
كنت أحييه كل صباح بالتحية العسكرية.. ونتمشى يوميا من العصر حتى الغروب
المستشار عدلى منصور قال لأخى يوم تسليمه قلادة النيل:« أنا عارف إنها متأخرة»

بعد مرور نحو 30 عاما على رحيله، استرد اللواء محمد نجيب أول رئيس لمصر مكانته على صفحات تاريخ مصر الحديث، بعد أن ظل اسمه مطموسا لأكثر من نصف قرن. بالتحديد منذ ذلك اليوم الذى تم فيه إعفاؤه من منصبه فى 14 نوفمبر 1954. أما باقى فصول القصة فيعرفها الجميع.. استعاد محمد نجيب حقه مرتين. الأولى بالقرار الجمهورى للرئيس الأسبق المستشار عدلى منصور، بمنح اسمه قلادة النيل؛ أرفع درجات التكريم، واصفا إياه ب «الزعيم النبيل»، ومعترفا بالأخطاء التى ارتكبت باسم ثورة يوليو، وضرورة عدم تكرارها. أما المرة الثانية؛ فكانت بإطلاق الرئيس السيسى اسمه على أكبر قاعدة عسكرية فى الشرق الأوسط، تكريما لرمز «تصدى للعمل الوطنى فى لحظة دقيقة وفارقة،وأظهر من الشجاعة والبطولة ما يستحق معه أن نتوقف أمام اسمه بالتقدير والاحترام».
اليوم؛ تحيى «الأهرام» ذكرى ميلاد محمد نجيب التى توافق 19 فبراير، فكان هذا الحوار مع حفيدته نعمة بنت نجله الأصغر يوسف، الذى كان يرغب فى تسميتها «سامية» لكن ما حدث أن ذهب لتسجيلها أحد أفراد الحراسة، فنسى الاسم المطلوب ، فاختار لها اسم «نعمة»! وفى حوار آخر؛ يكشف لنا د.رفعت يونان عضو الجمعية المصرية للدراسات التاريخية عن علاقته بالرئيس الراحل وافتتانه به، فاختاره موضوعا لرسالته لنيل درجة الماجستير، كما ألف كتابا عنه بعنوان: «محمد نجيب: زعيم ثورة أم واجهة حركة»، ويكشف لنا قصة الضابط القبطى الوحيد فى حركة يوليو، والذى تصادف أن تولى رئاسة قوة الحراسة على نجيب فى منفاه بفيلا زينب الوكيل بالمرج.

استقبلت الحياة فى فيلا زينب الوكيل وأمضيت فيها سنوات طفولتك. هل تتذكرين تلك الأيام؟
ولدت أنا وأختى الكبرى نجيبة ومحمد أخى الأصغر فى هذا المكان الذى هو بالمناسبة ليس قصرا أو فيلا وإنما استراحة صغيرة. أتذكر الأحاديث التى كانت تدور بين والداى وجدى، بالإضافة إلى الحكايات التى كنا نسمعها من «فتحية»، مديرة المنزل والذراع اليمنى لمحمد نجيب، وهى لا تزال على قيد الحياة وتعيش مع أقارب لوالدي، وكانت هناك مساعدة لها هى «شمس» لكن توفاها الله . كانوا يحكون لنا عن الحراسة المشددة التى كانت مفروضة على المكان، إذ كانت هناك 20 نقطة حراسة حصينة، فلا أحد يمكنه الدخول أو الخروج إلا بموافقة أمنية ، وكان والدى وأعمامى يذهبون إلى مدارسهم بصعوبة، كما كان كل من فى المنزل يعامل بطريقة خشنة. والخدم يذهبون برفقة أفراد الحراسة لشراء احتياجات المنزل، وزيارات الأقارب تتطلب موافقات مسبقة. بل كان أفراد الحراسة يتعمدون إزعاجهم بضرب النار فى منتصف الليل. لم يكن فى الاستراحة سوى أثاث بسيط بعد أن تم تجريدها من كل شىء، ثم بدأ جدى بإحضار بعض الأثاث من بيته فى حلمية الزيتون. لذلك بعد أن ولدت كان أبى يخبرنى أن الوضع تحسن كثيرا عن ذى قبل، حيث رفعت الحراسة عن جدى فى عام 1971، لكن بعد أن طعن فى السن، ولم تكن تحركاته كثيرة.
ومتى انتقلتم لفيلا شارع ولى العهد فى حدائق القبة؟
فى عام 1981، أقام ورثة استراحة زينب الوكيل دعاوى قضائية لاستردادها، وهنا طلب جدى من مندوب الرئاسة توفير مكان بديل، وكان الرئيس السادات قد عرض نزع الملكية من الورثة لكن جدى رفض بشدة وقال لن أحصل على شيء ليس من حقي، برغم أنه كان يعتبر نفسه جزءا من المكان بعد أن أمضى فيه نحو30 عاما. وانتقلنا لتلك الفيلا فى حدائق القبة ومكثنا فيها لعام واحد توفى بعدها جدي. أما استراحة زينب الوكيل فظلت مهجورة حتى بعد أن استردها الورثة، إلى أن تم هدمها خلسة فى أعقاب ثورة 25 يناير، وكان أهالى المنطقة فى غاية الأسى، إذ كانت مرتبطة لديهم بذكرياتهم مع محمد نجيب، وحاولوا إثارة الأمر فى وسائل الإعلام مسئولى الحى لتحويلها إلى متحف لكن بلا جدوى.
كيف كانت علاقتك بجدك وما هى ذكريات طفولتك التى أمضيتيها معه؟
ضاحكة: كنا «أصحاب جدا» والأقرب له. كان لابد أن أحييه كل صباح بأداء التحية العسكرية، وإذا نسيت، يطلب منى الخروج والدخول عليه من جديد لأدائها. كنا نخرج يوميا بعد صلاة العصر للتمشية فى الحديقة، وعندما كنت أشعر بالتعب، أسأله : هنمشى لحد إمتى يا جدو؟ «فيجيبنى : شايفة قرص الشمس اللى هناك دة .. هنروح عنده». أثناء سيرنا؛ كان يسألنى عن أحوالى فى المدرسة، أما أغلب الوقت فكان يردد ما يحفظه من القرآن، وأولى الآيات حفظتها منه.
ماهى الآيات التى كان يرددها باستمرار؟
كان دائما يردد الآية:« قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ» وآية أخرى هي: «الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ»، واتضح أن لها قصة معه عرفتها منه بعد أن كبرت، إذا قال له صديق سودانى أنه صلى العصر فى الحسين، ونام فحلم أنه يقف أمام ضريح الحسين ورأى شعاعا أبيض تحول إلى ورقة مكتوب فيها هذه الآية، وإذا بصوت يقول له « أعط هذه الورقة لمحمد نجيب ليقرأها 450 مرة»، وفى ليلة ثورة 23 يوليو وبعد صلاة العشاء أخذ يردد تلك الآية عشرات المرات، أملا فى التخلص من القلق والتوتر الذى سيطر عليه.
هل كان يصطحبك معه فى نزهات؟
كان يصطحبنى لزيارة المصابين فى المستشفيات العسكرية وكان يحضر لهم الورد والشيكولاتة، كما كنا نقوم بزيارات للأهل. كان خروجه نادرا، فالحراسة رفعت عنه بعد أن بلغ السبعين. كان جدى طيبا لدرجة أنه كان يحضر الكلاب والقطط من الشارع إلى الفيلا ويطعمها، وكانت هناك كلبة اسمها لوسي، تواصل النباح قبل عودته للمنزل فنعرف أنه على وصول فنستعد لاستقباله. كان رغم ضيق الحال كثير الصدقات، وفى الأعياد، كان كل من المنزل فى بما فيهم الخدم، يقف طابورا للحصول على العيدية.
من كان يزوره؟
أشقاؤه على ومحمود، واللواء محمد رياض صديقه الشخصى، بالإضافة إلى أصدقاء سودانيين كثر.
هل كان أصدقاؤك فى المدرسة ثم الجامعة يعلمون أنك حفيدة محمد نجيب؟
كانوا يعلمون فى المدرسة بحكم أننا كنا نذهب فى سيارات الحراسة، أما فى الجامعة فعلموا بالصدفة بعد لقاء أجريته فى برنامج «على الناصية» مع الإعلامية آمال فهمى سنة 1994، وكنت فى السنة الثانية، وفيه كشفت الكثير عما جرى لجدى والظلم الكبير الذى تعرضنا له بعد وفاته، وأن حياتنا أقل من المستوى العادي، وقد أحدث اللقاء ضجة كبيرة وقاموا برفع قيمة معاش والدى. وفوجئت بعدها بخطابات عديدة تم إرسالها لى على الجامعة من مواطنين مصريين وعرب ومن دول أجنبية، كلها تفيض بالحب والتقدير والاحترام. كما انهالت على الإذاعية آمال فهمى اتصالات من ملوك وأمراء يعرضون تقديم خدماتهم للأسرة لكننا رفضنا،وكان ردنا أننا لا نريد تكريما سوى من بلدنا.
هل تتذكرين يوم وفاته؟
كان عمرى عشر سنوات، وهو «أسود يوم» فى حياتى بلا مبالغة. خرج والداى لحضور الجنازة العسكرية التى أقامها الرئيس مبارك، ومكثت مع أخوتى فى الفيلا بحدائق القبة، فوجئنا بسيارات الشرطة والجيش قد حاصرت المنزل ودخل الضباط علينا، تملكنا الخوف فنزلنا إلى الحديقة، وما أن جاء والداى من الجنازة، حتى أخبروهما بأن هناك «أوامر عليا» بمغادرة المكان فورا! فأصابهما الذهول، فهم عائدون للتو من جنازة عسكرية مهيبة حضرها رئيس الجمهورية، فممن صدرت تلك الأوامر؟! لم يتركوا لوالدى حتى فرصة لاستقبال المعزين مساء. صادروا الكتب والنياشين والأوراق الرسمية، ومسدس هدية من الرئيس الأمريكى أيزنهاور، لم نتمكن حتى من الاحتفاظ بألبوم صور! حاول والدى التواصل مع قصر الرئاسة، ولم يستجب للقائه أحد. حتى الصحف لم تنشر خبر طردنا من الفيلا، ماعدا صحيفة الأهالي، وكان محرما علينا وعلى غيرنا أن نتحدث فيما جرى.
وكيف مرت الأيام التالية للوفاة؟
مكث بعضنا عند جدتى لوالدتى، والبعض الآخر لدى الزوجة الثانية لأبى. ثم استطاع والدى الحصول على شقة صغيرة بمساكن عثمان فى عين شمس. وتوفى والدى بعد جدى بأربع سنوات فقط، وكان قد تم فصله بقرار من عبدالناصر من شركة النصر ثم عمل فى شركة المقاولون العرب، ثم سائق أجرة. كنا مازلنا فى مراحل التعليم المختلفة، وكانت والدتى تحذرنا من الكشف عن هويتنا حتى لا نتعرض لأى أذى. إلى أن كبرت أختى نجيبة وعملت فى «المقاولون العرب»، والتحقت أنا بالحقوق، وأخى بالخدمة الاجتماعية وشققنا طريقنا فى الحياة.
تعرض عدد من الأعمال الفنية لشخصية اللواء محمد نجيب، كان آخرها مسلسل الجماعة، وتضمن مشهدا يفيد بتآمره مع الإخوان للتخلص من عبدالناصر فى حادث المنشية الشهير. ما تعليقك؟
الأعمال الفنية ظلمت جدى بشكل كبير، وفكرت فى اتخاذ الإجراءات القانونية ضد صانعيها، لكنى كنت أتراجع حتى لا أسلط المزيد من الضوء على ما جاء فيها. وقبل مسلسل الجماعة كان هناك مشهد فى مسلسل العندليب، يجسد لحظة اعتقاله، بأن دخل عليه عبد الحكيم عامر مكتبه وقال له: «قوم ياراجل.. إنت صدقت نفسك.. إنت كنت نايم ساعة ما قمنا بالثورة». وطبعا هذا الحوار لم يحدث فى الحقيقة، وقد خرج عبد الحكيم عبدالناصر فى أحد البرامج وردد ما جاء فى مسلسل الجماعة، وحينها رد عليه أخى محمد قائلا: لو كان جدى يريد التخلص من عبدالناصر لما لجأ لجماعة، فقد كان رئيس جمهورية ولديه صلاحيات، وكانت أمامه الفرصة سانحة عقب مظاهرات عمال النقل فى مارس 1954 قبل حادث المنشية بأشهر عدة، وقد جاء لجدى رؤساء وحدات فى الجيش، منهم الكتيبة 13 مشاة وقوات من الحرس الجمهوري، وعرضوا عليه القبض على أعضاء المجلس وإيداعهم السجن الحربى، لكنه رفض. جدى اتهم كثيرا بأنه كان راغبا فى السلطة، ولو كان هذا هدفه لما كان هذا مصيره. كان يعلم أن أى إجراء سيتخذه ضد أعضاء مجلس قيادة الثورة، سيؤدى إلى حرب أهلية وانقسام فى الجيش. ولم يكن لديه أى استعداد لأن يتعرض أحد بسببه لأى أذى. مع ذلك عندما كانت تسوء أحوال البلاد كما فى العدوان الثلاثى وهزيمة 67 كان يلوم نفسه، ويقول يا ليتنى كنت تصديت لهم وتمسكت بتنفيذ الاجراءات الديمقراطية من إقرار دستور جديد وإجراء انتخابات رئاسية.
من أصدق من كتب عن محمد نجيب؟
مذكرات اللواء جمال حماد الأكثر صدقا، بالاضافة طبعا إلى مذكرات جدى «كنت رئيسا لمصر» ، والتى صاغها الكاتب الصحفى عادل حمودة، وأذكر جيدا يوم أن جاء لجدى فى فيلا المرج وقال له انه اضطر للسير مسافة 7 كم على قدميه. طلب منه كتابة مذكراته. لكن جدى رفض وقال انه قال كل شىء فى كتابه «كلمتى للتاريخ»، لكن عادل حمودة أقنعه بأنه قد استجد الكثير من الأحداث، وبعد استشارة المقربين، وافق جدى، وبدأ عادل حمودة يتردد بانتظام علينا لمدة أشهر، وكنت أجلس معهم أثناء التسجيل فى الدور الأرضى حيث يوجد مخزن كبير للكتب، وعندما أقرأ الكتاب الآن أسترجع صوت جدى وهو يحكي، فكل ما جاء على لسانه منقول بأمانة.
ما هى الكتب الأخرى التى أصدرها؟
كتاب «مصير مصر» سنة 1956 باللغة الانجليزية، لكن تمت مصادرته، ويتحدث فيه عن أحداث الثورة، وكتاب «رسالة إلى السودان» يحكى فيه عن حياته هناك، و«كلمتى للتاريخ» الذى صدر فى السبعينيات، وأعدنا طباعته منذ سنوات.
بعد مرور 35 عاما على رحيله، هل ابتسمت الدنيا لأسرة محمد نجيب؟
كان هناك بعض «اللمسات» المعنوية التى أسعدتنا، مثل ذكر اسمه فى كتب التاريخ المدرسية باعتباره أول رئيس للجمهورية، صحيح بلا ذكر تفاصيل، لكن على الأقل تم تصحيح المعلومة التاريخية، وكان لإطلاق اسمه على إحدى محطات المترو فى التسعينيات، وقع إيجابى علينا، خاصة أنها كانت مفاجأة، إذ طلب مبارك الرئيس الأسبق على الهواء مباشرة إطلاق اسمه على المحطة بدلا من «عابدين». لكن عندما علمنا بأنه سيتم منح اسمه قلادة النيل «طرنا من الفرحة»، خاصة أنها كانت مفاجأة أيضا، وعندما ذهبنا لتسلم القلادة أنا وأخى محمد، قال لنا المستشار عدلى منصور: «أنا عارف إنها متأخرة.. لكن تيجى متأخر أحسن ماتجيش خالص». ومن المفارقات الجميلة أن أبناء خالد محيى الدين تسلموا قلادة النيل باسم والدهم فى نفس اليوم، ونجيب ومحيى الدين كانا يمثلان نفس الخط السياسى. ثم جاءت الفرحة الأكبر بإطلاق الرئيس السيسى لاسم جدى على أكبر قاعدة عسكرية فى الشرق الأوسط، وحضر شقيقى الاحتفال، وشكر الرئيس على قراره، فكان رده بأن هذا حقه. وتضم القاعدة متحفا له، يضم تمثالا وبدلته العسكرية، بالاضافة الى مجموعة كبيرة من الصور قامت القوات المسلحة بتجميعها. وأعتقد أن كل هذا التكريم يدحض أى اتهامات تم توجيهها لجدي، فقادة الجيش يعرفون تفاصيل لا نعملها نحن، وبالتأكيد إذا كان هناك مجرد شبهة أو شائبة فى سجل هذا الرجل لما تم تكريمه بهذا القدر.
هل زرت المتحف؟
للأسف لم أزره حتى الآن، وأتمنى أن تتاح لى الفرصة، فدعوات الافتتاح كانت للرجال فقط. هناك متحف آخر له فى القرية الفرعونية،يضم بعض المقتنيات البسيطة كالصور الفوتوغرافية، وطقم ملابس مدنية والراديو الخاص به و بايب.
من تبقى الآن من الأسرة، وماذا يطلبون؟
هناك أبناء على و حميدة شقيقى جدي، ونتواصل من وقت لآخر. كان لنا فقط طلب صغير بخصوص فيلا شارع ولى العهد التى تم طردنا منها، وهى لا تزال موجودة فى حالة يرثى لها ومهجورة تماما، نتمنى أن يتم توضيبها وفرشها لتكون مقرا للأسرة دون أن نتملكها، نستقبل فيها الزوار الأجانب من محبى محمد نجيب أو لاستقبال الصحفيين.
ترددت أخبار عن إنتاج عمل درامى عن حياة محمد نجيب. فمتى يرى النور؟
بالفعل، كان هناك صحفى اسمه محمد ثروت يرغب فى كتابة فيلم سينمائى ،وبدأ يتردد على أفراد الأسرة، لكن حدث بعض الخلافات بعد أن بدأ يظهر فى الإعلام باعتباره ممثلا لأسرة محمد نجيب، مع أننا لم نفوضه للحديث باسمنا، وانقطعت العلاقة.
عاش محمد نجيب حتى رحل عبد الناصر والسادات. كيف كانت مشاعره حينها؟
لم يكن جدى يحمل أى ضغينة لأحد، وكانت والدتى تقول انهم لا يحملون أى مشاعر كراهية تجاه عبد الناصر،وهناك موقف حكاه جدى وآخرون فى مذكراتهم عندما ذهب لتقديم العزاء فى شقيقة صلاح سالم، فاندهش جمال سالم، وسأله أتعزينا بعد كل ما فعلناه بك، فأجاب جدى :الواجب يا جمال. أما السادات فكان والدى يحبه، ويوم اغتياله،أصابته حالة من الغضب والهياج وأخذ يدعو الله بأن ينتقم من القتلة.
ماذا عن علاقته بالرئيس مبارك؟
كانت علاقة طيبة، وأذكر أنه عرض عليه ذات مرة أن نذهب لقضاء» المصيف» فى الاسكندرية فى رأس التين أو المنتزه- لا أتذكر تحديدا- لكن جدى رفض بحجة ظروفه الصحية. كنت أنا وأخوتى أطفالا، وكنا غاضبين لرفضه (تقولها ضاحكة)». لذلك بعد وفاة جدى كنا فى غاية الصدمة مما حدث.
ماذا تعلمت من جدك خاصة أنه كان كثير القراءة ويجيد خمس لغات ؟
تعلمت الكثير. فقد كان يشترى لى القصص وكتب عن اليوجا التى كان يعشقها وكنت أمارسها معه.أهم ما تعلمته منه ألا أخشى قول كلمة الحق، وعندما التحقت بكلية الحقوق ودرست القانون والدستور والعلوم السياسية ،انتميت لنفس خطه السياسي، فهو يرى أن الجيش قيمته كبيرة جدا ولابد أن ينأى بنفسه عن ألاعيب السياسة ومناوراتها، ويتفرغ لمهمته الأعظم وهى حماية الوطن.
لو كان حيا الان ؛ ماذا كنت لتطلبى معرفته منه بعد أن كبرت واستوعبت ما حدث؟
(بعد لحظة صمت وتفكير): هو شرح كل ما حدث فى مذكراته. كنت سأهتم فقط بقضاء أطول وقت ممكن معه ، أحكى له نكاتا يضحك لها من قلبه كما كنت أفعل وأنا طفلة، وأتعلم المزيد من دروس الحياة التى اكتسبها بخبراته الطويلة، وأحاول أن أعوضه ولو بقدر يسير عما تعرض له فى حياته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.