التطبيق العملى يفرض تعديل الدساتير عندما يتم اكتشاف عيوبها ومشكلاتها، وهنا يصبح التعديل ضروريا ..وهذا ما حدث فى الحالة المصرية الراهنة مع دستور 2014 والذى أكد تطبيقه على مدى 4 سنوات أن به بعض العيوب والمشاكل التى أثرت بشكل سلبى على أداء مؤسسات الدولة وأهمها مجلس النواب والحكومة فضلا عن التأثير على عملية اتخاذ القرار بين مؤسسات الدولة . مما حتم البحث عن مخرج لمواجهة هذه المشكلات، وكان هذا المخرج هو التعديل، وهذا ليس اختراعا مصريا بل حقيقة تاريخية ففرنسا عدلت دستورها الحالى عام 1960 بعد سنتين من وضعه عام 1958 وتم تعديله منذ ذلك الوقت 26 مرة، وألمانيا عدلت دستورها 62 مرة والولاياتالمتحدة عدلت دستورها 27 مرة . التجربة العملية أثبتت أن مجلس النواب فى حاجة الى غرفة اخرى للمساعدة فى القيام بأعباء التشريع ومراقبة الحكومة ..هذه الغرفة تتكون من الخبرات العملية فى هذه المجالات، ولهذا عالجت كل دول العالم هذا الوضع بتشكيل غرفة ثانية للبرلمان تقوم بدراسة التشريعات المقترحة من خلال خبراء مختصين ، وكذلك دراسة السياسة العامة للدولة التى تعرضها الحكومة ، وتصويب ما يمكن تصويبه فى هذه الغرفة الثانية (مجلس الشيوخ) وهكذا تخرج لنا تشريعات وقوانين وسياسات عامة خالية من العيوب والمشاكل، وتسرع وتيرة الانجاز فى كل المجالات سواء كانت قوانين مطلوبة أو سياسات عامة تريدها الدولة والشعب فى مجال من المجالات، وفى ظل الغرفة الثانية للبرلمان يتسم أداء مؤسسات الدولة بالفاعلية والانجاز وهو مطلب شعبى عليه إجماع لأن المواطن يريد أن يرى ثمار الانجازات ويشعر بها . ومجلس الشيوخ ليس بدعة مصرية فقد كان موجودا قبل ثورة 25 يناير وعمل به ايضا فى معظم دول العالم البرلمانية منها والرئاسية وان كان بمسميات مختلفة، كما فى الولاياتالمتحدة وايطاليا وفرنسا وبريطانيا فهذا المجلس المقترح فى إطار التعديلات الدستورية الجديدة وتشكيله من 250 عضوا، يعين رئيس الجمهورية ثلثه وفق ضوابط التمثيل الملائم لكل فئات المجتمع وهو ما يوسع دائرة المشاركة المجتمعية والشعبية فى اتخاذ القرارات وبالتالى تكون هناك فرصة لتعيين خبراء اقتصاديين واستراتيجيين وعلماء فى مثل هذا المجلس لأن مثل هذه الفئات لايمكنها أن تنجح فى الانتخابات رغم أنه هناك حاجة أكيدة لها فى العملية التشريعية ورسم السياسات العامة للدولة، أما الثلثان الآخران فهما من خلال انتخابات عامة، ومهام مجلس الشيوخ متعددة أبرزها مناقشة التشريعات المكملة للدستور ومعاهدات الصلح والتحالف وغيرها من القضايا ذات الأهمية الكبرى بالنسبة للمواطن خاصة الموازنة العامة للدولة وبرنامج السياسات العامة للحكومة . وفى اطار تعزيز دور المرأة فى المجتمع ولأنها لا تستطيع النجاح بشكل كبير فى أى انتخابات عامة بسبب الثقافة العامة لدى معظم الناس خاصة فى الصعيد والريف كان لابد من تمثيلها بكوتة محددة فى البرلمان، لأن المرأة تمثل نصف تعداد السكان وأصبحت وزيرة ومديرة وقاضية وتعمل فى كل المهن، ومن أهم ركائز نهضة مجتمعنا الدور المتعاظم للمرأة، وبالتالى كان لابد من تعزيز دورها بشكل مناسب، لهذا كان من التعديلات المقترحة أن يشكل مجلس النواب بعدد لا يقل عن 450 عضوا على أن يخصص ما لا يقل عن الربع للمرأة ، وهكذا الوضع بالنسبة للشباب . وفى إطار هذه الفلسفة جاء تعديل المادة 243 فى دستور 2014 التى تلزم الدولة بتمثيل ملائم للعمال والفلاحين فى أول مجلس نواب، ولكن بعدها ماذا يحدث لهذه الفئة التى تمثل تقريبا نحو 65 % من تعداد السكان منهم 37 مليون فلاح وأكثر من 30 مليون عامل، هؤلاء من حقهم أن يمثلوا فى البرلمان بغرفتيه وفى كل المجالس الشعبية المنتخبة، هؤلاء هم جنود التنمية فلابد أن يمثلوا فى عملية صنع القرار بشكل مناسب لدورهم فى التنمية الشاملة للدولة المصرية، لذلك فرضت التجربة ضرورة تعديل هذه المادة ليصبح الإلزام دائما وليس مؤقتا ، ولتتمكن هذه الفئة من الوجود على الساحة السياسية والتعبير عن مواقفها فى قضايا وهموم الوطن وهو حقها حتى تعبر عن نفسها فى البرلمان وبما يتوافق مع المبادئ الدستورية فى حق التمثيل لكل فئات الشعب فى كل المجالس النيابية المنتخبة وبشكل مناسب .