مرة أخرى تشهد شوارع تل أبيب مظاهرات احتجاجية ضد عنف الشرطة الإسرائيلية، نظمها يهود إثيوبيا (الفلاشا)، حيث تظاهر عدد كبير منهم وقاموا بإغلاق الطرق والشوارع الرئيسية ردا على العنف الممنهج ضدهم، وقيام رجل شرطة إسرائيلى بقتل إثيوبى إسرائيلى يدعى يهودا بيادجا (24 عاما) أواخر يناير الماضى فى مدينة «بات يم» أثناء اندفاعه تجاه الشرطى وبحوزته سكين. وطالب منظمو المظاهرة بعقد جلسة طارئة للحكومة وبدء تحقيق فى الأمر يتولاه قاض، بعيدا عن وحدة تحقيقات الشرطة. يذكر أن هناك 135 ألف يهودى إثيوبى يقيمون فى إسرائيل هاجر معظمهم فى الفترة بين عامى 1984 و1991، إلا أن العديد منهم مازالوا يجدون صعوبة فى التأقلم والاندماج داخل المجتمع الإسرائيلى. كانت اشتباكات عنيفة قد اندلعت بين الشرطة الإسرائيلية والآلاف من يهود الفلاشا الاثيوبيين فى عام 2015 وسط تل أبيب، خلال مظاهرات للفلاشا ضد عنصرية المجتمع الاسرائيلى، ووحشية الشرطة والتمييز ضدهم بعد تعرض جندى من أصل إثيوبى ويدعى داماس بيكادا لاعتداء وحشى من قبل رجلى شرطة، انهالا عليه بالضرب وطرحاه أرضا. وقد دفع الحادث رئيس الوزراء بنيامين نيتانياهو إلى عقد اجتماع انذاك مع مساعديه لبحث أوضاع اليهود الاثيوبيين، شارك فيه ممثلون عن وزارات الأمن الداخلى والرفاه والاستيعاب والداخلية، كما قام بعقد اجتماع آخر مع ممثلى الطائفة الاثيوبية فى إسرائيل، وفى محاولة منه لامتصاص غضب يهود الفلاشا قام نيتانياهو باستقبال الجندى داماس الذى تعرض للضرب. ما حدث ألقى الضوء على الأوضاع غير الإنسانية التى يعيشها اليهود أصحاب البشرة السمراء من أصل اثيوبى فى إسرائيل، فمنذ عدة سنوات نشرت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية خبراً مفاده، أن بنك الدم فى إسرائيل يقوم بتدمير كميات الدماء التى تجمع من يهود الفلاشا الاثيوبيين ويتم التخلص منها بشكل منهجى منظم. والسبب فى ذلك كما أكدته صحيفة «معاريف» يرجع إلى الخشية من تلوث هذه الدماء بفيروس «الايدز». الفلاشا الاثيوبيون نظروا للأمر على أنه إهانة حقيقية تكشف عن عنصرية الدولة العبرية. ومنذ فترة رفض أحد العاملين بنجمة داود الحمراء (الاسعاف) تبرع مجندة إسرائيلية بالدم بسبب لون بشرتها السمراء. وقد تقدمت المجندة بشكوى لقائد وحدتها العسكرية، أكدت فيها أن العامل نهرها وهدد بإلقاء الدم فى بالوعة الصرف الصحى إذا أصرت على التبرع بدمها ! يحدث هذا على الرغم من أن بنك الدم الاسرائيلى لا يدمر الدم القادم من الولاياتالمتحدة ونسبة المصابين بمرض الايدز فيها أعلى بكثير من نسبتها فى إسرائيل، أى أن الأمر يرجع إلى موقف عنصرى من الفلاشا الذين يعتبرهم المجتمع الاسرائيلى عبئا عليه ويعاملهم باحتقار باعتبارهم شخصيات غير مرغوب فيها. والأوضاع المعيشية للفلاشا فى إسرائيل تشبه إلى حد كبير الأوضاع المأساوية التى عاشها من قبل أبناء جنوب افريقيا من السود على يد الأقلية البيضاء، فى ظل سياسة الفصل العنصرى. وكشف جندى من يهود الفلاشا يدعى «باجو مندفرو» كان قد هاجر من إثيوبيا إلى إسرائيل بمفرده منذ عدة سنوات، أنه منذ أن أنهى خدمته العسكرية فى الجيش الإسرائيلى لم يجد مكانا يؤوية، ويضطر للنوم فى الحدائق أو على المقاعد فى محطات الاتوبيس بمنطقة كريات جات، ويمضى النهار يتجول فى الشوارع، فهو أيضا عاطل لا يجد عملا، حيث ترفض كل الجهات أن يعمل بها لانه ليس لديه عنوان سكن. وهناك العشرات من الجنود والمجندات المسرحين من الجيش والذين هاجروا من اثيوبيا إلى إسرائيل بمفردهم لا يجدون مأوى بعد إنهاء الخدمة، مما يضطرهم للإقامة فى الشارع، وأمر هؤلاء الجنود لا يعنى مسئولى إسرائيل فى شىء. وهناك قصة جندى آخر من أصل إثيوبى تم تسريحه من الجيش الاسرائيلى بعد أن حاول الانتحار بسبب سوء معاملة زملائه وقادته له، وتعرضه للاعتداء بالضرب. ويقول الجندى ان زملاءه اعتادوا مناداته، بالزنجى وأصبح بالنسبة لهم عبدا يتحدثون إليه باستعلاء لمجرد انه اثيوبى. وقال الجندى فى لقاء مع صحيفة «معاريف» إنه عمل كسائق فى إحدى القواعد العسكرية بالنقب، وحينما ازداد اضطهاد زملائه له تقدم بشكوى إلى قائد الوحدة، فما كان منه إلا أن عاقبه هو وأرسله للعمل فى المطبخ، ليصبح هدفا لسخرية الطباخ الذى كان يصيح فيه «أسرع بالعمل أيها الزنجى». وحينما اعترض فى إحدى المرات على هذه المعاملة كان جزاؤه صفعة قوية من الطباخ على وجهه، وحينما تقدم بشكوى أخرى لقائده نهره وسخر منه أمام باقى الجنود، الأمر الذى دفعه فى النهاية إلى محاولة الانتحار .. وأطفال يهود الفلاشا لم ينجوا من عنصرية المجتمع الاسرائيلى فمنذ عدة سنوات وفى إحدى المدارس الابتدائية فى جنوب منطقة نتانيا تعرض عشرة تلاميذ من أبناء يهود الفلاشا تتراوح أعمارهم بين 9 12 سنة للاضطهاد والتعذيب، على يد مديرة المدرسة بسبب لون بشرتهم. وطبقا لما جاء فى شكاوى أولياء امور التلاميذ للشرطة، فإن المديرة اعتادت اصطحاب التلاميذ الاثيوبيين إلى غرفتها لمعاقبتهم بالصفع على وجوههم وخدشهم بأظافرها حتى تنزف الدماء من أجسادهم، ثم تقوم بدق رؤوسهم فى الحائط وفى النهاية تصيح: اغربوا عن وجهى أيها الزنوج ان أكبر خطأ ارتكبته اسرائيل هو سماحها لكم بالهجرة إليها.. ويروى أحد التلاميذ ان مديرة المدرسة كانت «تقرصهم» فى وجوههم وتلقى بهم على الأرض، لأنها كما كانت تقول تكره الاثيوبيين، ويضيف أن إحدى المدرسات كانت تجذبهم بشدة من آذانهم، وهذه العقوبات أو حفلات التعذيب كانت تتم إما فى غرفة المديرة أو فى الفصل أمام كل التلاميذ.