تعاون شبابي عربي لتعزيز الديمقراطية برعاية "المصري الديمقراطي"    بعد تدخل المحافظ، "ترانس جاس" تكشف حقيقة تسرب الغاز بكفر الشيخ    هند رجب تطارد جيش الاحتلال، بيرو تفتح تحقيقا رسميا ضد جندي إسرائيلي ارتكب جرائم حرب في غزة    استشهاد 75 بغزة منذ فجر الجمعة جراء القصف الإسرائيلي    هزة أرضية بقوة 3 ريختر تضرب جزيرة كريت في اليونان    اليونيسف: إنشاء كيانات جديدة لإغاثة غزة إهدار للموارد والوقت    "تاس": طائرة تقل 270 جندياً روسياً أُعيدوا من الأسر الأوكراني هبطت فى موسكو    «مش شبه الأهلي».. رئيس وادي دجلة يكشف رأيه في إمام عاشور    تفحم سيارة في حريق نشب داخل ورشة بحلوان    شديد الحرارة.. الأرصاد تحذر من طقس اليوم    محمد رمضان يعلن خوضه موسم دراما رمضان 2026 ويوجه رسالة إلى جمهوره    نجاح مركز طب وجراحة العيون بكفر الشيخ في إجراء جراحة دقيقة لزراعة طبقية قرنية    رابط نتيجة الصف الأول الثانوي الأزهري الترم الثاني 2025.. رابط مباشر وخطوات الاستعلام    العناية الإلهية تُنقذ مستشار من حادث سير مروع بقنا    رابط نتيجة الصف الأول الابتدائي بالقاهرة 2025 وخطوات الاستعلام عبر بوابة التعليم الأساسي    حملات أمنية لردع الخارجين عن القانون في العبور| صور    حرب شائعات.. المستشار الإعلامي لمجلس الوزراء ينفي معلومات مغلوطة بشأن تصدير المانجو    اليوم.. نظر دعوى الفنانة انتصار لزيادة نفقة أبنائها    ضبط 2.5 طن أعلاف مخلوطة بالقمح المحلي في التل الكبير بالإسماعيلية    نشرة التوك شو| الاتحاد الأوروبي يدعم مصر ماليا بسبب اللاجئين.. والضرائب تفتح "صفحة جديدة" مع الممولين    خبيرة أسرية: البيت بلا حب يشبه "بيت مظلم" بلا روح    الفيلم الفلسطينى كان ياما كان فى غزة يفوز بجائزة أفضل ممثل بمهرجان كان    هل يجوز الحج عن الوالد المتوفي.. دار الإفتاء توضح    أسماء المقبولين بمسابقة 30 ألف معلم.. تعليم الشرقية تعلن النتائج    الضرائب: أي موظف يستطيع معرفة مفردات المرتب بالرقم القومي عبر المنظومة الإلكترونية    واشنطن ترفع العقوبات عن موانئ اللاذقية وطرطوس والبنوك السورية    النسخة الأفضل مِنكَ    اليوم.. منتدى القاهرة ل«التغير المناخى» يحتفل بمرور 100 عام على فعالياته بين مصر وألمانيا    حلمي طولان: تراجعنا عن تعيين البدري مدربًا للمنتخب لهذا السبب    استشارية أسرية: الحب مجرد تفاعل هرموني لا يصمد أمام ضغوط الحياة    أسماء المقبولين في مسابقة 30 ألف معلم الدفعة الثالثة بالشرقية (مستند)    سعر الذهب اليوم السبت 24 مايو محليا وعالميا بعد الارتفاع.. بكام عيار 21 الآن؟    سعر الدولار أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية السبت 24 مايو 2025    وزير الزراعة: صادرات مصر الزراعية إلى السعودية تتجاوز 12% من إجمالي صادراتها للعالم    ترامب والشرق الأوسط.. خطط مخفية أم وعود حقيقية؟!    وول ستريت تهبط بعد تهديد ترامب بفرض رسوم جمركية على الاتحاد الأوروبى    مصر تعيد 71 مواطنا مصريًا من ليبيا    وفاة 3 شباب إثر حادث سير أليم بكفر الشيخ    بالأسماء.. «تعليم الإسكندرية» تعلن قائمة المقبولين بمسابقة ال30 ألف معلم    ننشر أسماء المقبولين في وظيفة «معلم مساعد» بالمنوفية| صور    إسقاط كومو لا يكفي.. إنتر ميلان يخسر لقب الدوري الإيطالي بفارق نقطة    "الظروف القهرية يعلم بها القاصي والداني".. بيراميدز يوضح تفاصيل شكواه للمحكمة الرياضية بشأن انسحاب الأهلي أمام الزمالك    يوريشتش يستقر على تشكيل بيراميدز أمام صن داونز.. يجهز القوة الضاربة    عمرو أديب: الناس بتقول فيه حاجة مهمة هتحصل في البلد اليومين الجايين (فيديو)    بعد وفاة زوجها.. كارول سماحة لابنتها: هكون ليكي الأمان والسند والحضن لآخر لحظة من عمري    "الثقافة" تصدر "قراءات في النقد الأدبي" للدكتور جابر عصفور    صلاح سليمان: مباراة بتروجت مهمة للزمالك لاستعادة الانتصارات قبل نهائى الكأس    نابولي يهزم كالياري بهدفين ويحصد لقب الدوري الإيطالي    تعرف على نتائج المصريين فى اليوم الثانى لبطولة بالم هيلز المفتوحة للإسكواش    نصائح لتجنب الارتجاع المريئي، و7 أطعمة تساعد على تخفيف أعراضه    ارتفاع حالات الحصبة في الولايات المتحدة وسط مخاوف من انتشار واسع    أخبار × 24 ساعة.. حصاد 3.1 مليون فدان قمح وتوريد أكثر من 3.2 مليون طن    وفقا للحسابات الفلكية.. موعد وقفة عرفات وأول أيام عيد الأضحى 2025    ما حكم الكلام فى الهاتف المحمول أثناء الطواف؟.. شوقى علام يجيب    انطلاق امتحانات العام الجامعي 2024–2025 بجامعة قناة السويس    هل يحرم على المُضحّي قصّ شعره وأظافره في العشر الأوائل؟.. أمين الفتوى يوضح    خطيب المسجد النبوى يوجه رسالة مؤثرة لحجاج بيت الله    بحضور انتصار السيسي، "القومي لذوي الهمم" ينظم احتفالية "معًا نقدر"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سَرْد العِلم فى الظلمة
نشر في الأهرام اليومي يوم 15 - 02 - 2019

هو، من كتب عن الظلام أنشودة يُمجِّد فيها الستر القطيفى الحالك الذى يعتق الحناجر فتنطلق فى الغناء ما إن تنقطع كهرباء المدينة، ويشعر الناس بالتحرر فى الخفاء، يعود اليوم إلى تجربة «برجن وبارتون»، التى أجرياها عام 1973، وفيها، راحا يدرسان تأثير اللقاء فى الظلمة على سلوك مجموعات بشرية، تتكون كل منها من أربعة أفراد لا يعرف بعضهم بعضا، أربع فتيات، وأربعة فتيان، يدخلون فرادى إلى غرفة تامة الإظلام ليمكثوا ساعة من الزمن، ثم يخرجوا، ومن ثم تُجمع الملاحظات.
فى بعض هذه التجارب، كان الباحثان يخبران المفحوصَين بأنهما سيلتقيان بعد الخروج من الظلام، وفى بعضها الآخر لم يكونا يخبرانهما بذلك. لوحظ أن كل المفحوصين فى حجرة التجارب المظلمة تحدثوا قليلا لكنهم تحركوا كثيرا، وفى الحالات التى عرف فيها المفحوصان أنهما سيلتقيان عند الخروج كثرت الملامسات العرضية، وقلت الملامسات القصدية.
أما فى التجارب التى لم يكن فيها المفحوصان يعرف أحدهما الآخر ولا ينتظران أن يلتقيا بعد الخروج، فقد أفاد 80% منهم بأنهم شعروا ببعض الهياج، وتورط العديد فى التقبيل والاحتضان. وكان الاستنتاج: ان كون الشخص مجهولا وغير محدد الهوية فى الظلام الدامس، يدفعه للشعور بحرية تسقط فيها الحدود المجتمعية للتعامل مع الجنس الآخر، من الغرباء.
وها هو، وقد أحالته نتائج تلك التجربة إلى ما يمكن أن تطلقه الظلمة من انفلاتات بشرية أخرى أشد، يفكر فى فظاظات لابسى طاقية إخفاء الانترنت لدى كثرة كاثرة من مستخدميه، وشناعات جنوح المنتسبين للتنظيمات والجماعات والأجهزة السرية، أما فظاعات ممارسات المحميين بالسطوة والنفوذ وامتلاك السيوف على أعناق المسالمين العزل، بزعم صلاح الدين أو إصلاح الدنيا، فهم بذاتهم مُظلِمون يعربدون فى ظلمة، فيما يرتكبون فظاعاتهم فى ساطعات النهار، وصارخات الجهر.
وهاهو، وحتى يواصل العيش فيما آل إليه العالم من ظلمات تتكاثر، يتشبث بالتفاؤل، فتلك الأغانى التى كتب عن انطلاقها يوما مع انقطاع الكهرباء فى الليل، كانت حقيقة واقعية لم يفعل إلا أن رصد لحظة ميلادها، ولم تكن خارجة إلَّا من رحم تلك « الطبيعة البشرية»، نفسها، التى لم ترصد تجربة « برجن وبارتون» غير ملامح وجهها المظلم، فيما أغنيات الوجه المضيء فى العتمة، لا تزال أصداؤها تترجَّع فى أبهاء روحه، ويستعيد ترجيعها.
تلك اللحظة
فجأة، انقطع التيار، وأنا فى الشارع سادت الظلمة، وأحسست أننى على غير انتظار أنبعث فى هذا الليل. بدا العالم حولى كأنما ولد من جديد فى هذه اللحظة. بدا طازجا وأليفا من خلال صفاء الظلمة، حتى إن هواء الليل البارد قد استحال نسيما يرطب جبهتى، ويملأ صدرى بالانتعاش. شعرت على نحو مفاجئ أننى أفتقد الحياة، أفتقد الحياة حقا منذ أمد بعيد، وغشَّانى اليقين أننى كنت أحيا سنينى الأخيرة ميتا على نحو ما.
شعرت بحاجة هائلة للبكاء المحرق، ووددت لو أجرى صارخا ما أستطيع، دون أن يتعرف عليَّ أحدٌ فى هذه الظلمة. لكننى اكتشفت المدى اللانهائى من الراحة، فى الغناء. راح صوتى يتعثر، حتى سَلِست الدندنات، ثم انبثقت فى فضاء الروح مقاطع الأغنيات الحلوة البسيطة، البعيدة، التى ظننتها ماتت فى نفسى من قديم. أخذ أدائى يشجينى كلما جلوت صوتى بالغناء، وكنت أتمادى فأشعر كأنى أفلت من مراقبة ما، كأنى أعتق من شيء يكبلنى، وأنطلقُ خفيفا خفيفا فى رهافة الظلمة، وبراحها.
انتبهت إلى نفسى وقد بلغ شدوى حد ارتفاع الصوت، فسكت متلفتا، أتحسب استغراب الناس الماضين كأشباح فى الظلمة من حولى.
لكن هنيهة خجلى تحولت إلى دهشة عندما أرهفت السمع، واقفا فى ظلمة الشارع الكبير. سمعت مايشبه همهمات خافتة، ثم تبينت النغم فى تداخل الأصوات، وكأن أفراد فرقة موسيقية مختفية فى مكان ما يضبطون آلاتهم قبيل ابتداء العزف. رحت أُميِّز اختلاف الأصوات والأغانى كلما مرَّت بى أشباح الناس فى الظلمة: كل شبح بصوت، وكل صوت بأغنية، وكل الأغانى كانت مفعمة بالشجو والشجن.
عدت أواصل سيرى والغناء، وكان صوتى يرتعش، وتروغ الأغانى، كلما أوجست عودة التيار بغتة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.