جنوب أفريقيا... تيلكوم للاتصالات تحقق صافي دخل يتجاوز التقديرات    احذر.. الحبس والغرامة عقوبة التعدي على الأراضي الزراعية خلال إجازة عيد الأضحى    مصرع عدد من الجنود في جيش كوريا الشمالية جراء انفجار لغم أرضي    التعليم الأمريكية: جامعتي ميشيجان ونيويورك أخفقتا في التعامل مع معاداة العرب    مواعيد مباريات الدوري المصري اليوم الثلاثاء والقنوات الناقلة    طقس اليوم الثلاثاء 18 يونيو| الأرصاد تكشف حالة الجو في ثالث أيام العيد    تحذيرات طبية.. تعرف على إحدى العلامات الدالة على ارتفاع نسبة الكوليسترول في الدم    غانتس: ملتزمون بإزالة التهديد الذي يشكله حزب الله على مواطني شمال إسرائيل    حرب جوية.. روسيا وأوكرانيا تتبادلان الهجوم بالطائرات المسيرة    تعرف على أسعار الدولار في ثالث أيام عيد الأضحى المبارك    بيان رسمي.. الاتحاد الفرنسي يوضح إصابة مبابي    مواعيد مباريات اليوم الثلاثاء 17- 6- 2024 والقنوات الناقلة    سعر الذهب اليوم وعيار 21 الآن ثالث أيام العيد الثلاثاء 18 يونيو 2024    أخبار مصر: جريمة تهز العراق ضحاياها مصريون، آل الشيخ يحرج عمرو أديب بسب الأهلي، مفاجأة في وفاة طيار مصري وسقوط أسانسير بركابه بالجيزة    ولاد رزق 3 يحقق أكثر من 22 مليون جنيه أمس    أسعار البيض في الأقصر اليوم الثلاثاء 18 يونيو 2024    ممارسة التدريبات في المساء أفضل من أجل خفض معدلات السكر في الدم    أزمة قلبية أم الورم الأصفر، طبيب يكشف سبب وفاة الطيار المصري على متن الرحلة    هل يجوز للزوجة المشاركة في ثمن الأضحية؟ دار الإفتاء تحسم الأمر    نائب أمير مكة يسلم كسوة الكعبة لسدنة بيت الله الحرام    اندلاع حريق داخل حضانة أطفال في المنيا    مسؤول إسرائيلي يعلق على مصير عشرات الرهائن في غزة    مقتل 11 مهاجرًا وفقدان آخرين إثر غرق قاربين قبالة سواحل إيطاليا    جوتيريش يدعو دول العالم إلى سرعة تنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر    ضحايا الحر.. غرق شخصين في مياه النيل بمنشأة القناطر    مصرع شخص إثر وقوع حادث تصادم بالدقهلية    عبدالحليم قنديل: طرحت فكرة البرلمان البديل وكتبت بيان الدعوة ل25 يناير    هيئة البث الإسرائيلية: الجيش والمخابرات كانا على علم بخطة حماس قبل 3 أسابيع من هجوم 7 أكتوبر    «لازم تعاد».. سمير عثمان يكشف مفاجأة بشأن ضربة جزاء الزمالك أمام المصري البورسعيدي    إسعاد يونس: عادل إمام أسطورة خاطب المواطن الكادح.. وأفلامه مميزة    إيهاب فهمي: بحب أفطر رقاق وفتة بعد صلاة العيد وذبح الأضحية    مفتي الجمهورية: نثمن جهود السعودية لتيسير مناسك الحج    عارفة عبد الرسول تكشف سرقة سيدة لحوما ب2600.. وتعليق صادم من سلوى محمد علي    رونالدو يبدأ الحلم البرتغالي.. وجورجيا تستعد لمشاركة تاريخية في يورو 2024    ملف مصراوي.. أزمة ركلة جزاء زيزو.. قرار فيفا لصالح الزمالك.. وحكام الأهلي والاتحاد    ولي العهد السعودي يؤكد ضرورة الوقف الفوري للاعتداء بغزة    افتتاح وحدة علاج جلطات ونزيف المخ بمستشفيات جامعة عين شمس.. 25 يونيو    مقتل عنصر إجرامي في تبادل إطلاق النار مع الشرطة بأسيوط    محافظ المنيا: حملات مستمرة على مجازر خلال أيام عيد الأضحى    هيئة الدواء المصرية تسحب عقارا شهيرا من الصيدليات.. ما هو؟    8 أعراض تظهر على الحجاج بعد أداء المناسك لا تقلق منها    «الأزهر» يوضح آخر موعد لذبح الأضحية.. الفرصة الأخيرة    محمود فوزي السيد: عادل إمام يقدر قيمة الموسيقى التصويرية في أفلامه (فيديو)    عاجل.. في بيان رسمي.. الزمالك يحدد 4 مطالب لاستكمال مشاركته في الدوري    بيان عاجل من وزارة السياحة بشأن شكاوى الحجاج خلال أداء المناسك    االأنبا عمانوئيل يقدم التهنئة بعيد الأضحى المبارك لشيخ الأزهر الشريف أحمد الطيب    البطريرك يزور كاتدرائية السيّدة العذراء في مدينة ستراسبورغ – فرنسا    «حضر اغتيال السادات».. إسماعيل فرغلي يكشف تفاصيل جديدة عن حياته الخاصة    تهنئة إيبارشية ملوي بعيد الأضحى المبارك    ثبات سعر طن الحديد وارتفاع الأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الثلاثاء 18 يونيو 2024    معركة حسمها إيفان.. حكم الفيديو أنقذنا.. تعليقات الصحف السلوفاكية بعد الفوز على بلجيكا    وفاة 10 حجاج من أبناء كفر الشيخ خلال أداء مناسك الحج.. اعرف التفاصيل    الإفتاء توضح حكم طواف الوداع على مختلف المذاهب    مشروع الضبعة.. تفاصيل لقاء وزير التعليم العالي بنائب مدير مؤسسة "الروس آتوم" في التكنولوجيا النووية    شروط القبول في برنامج البكالوريوس نظام الساعات المعتمدة بإدارة الأعمال جامعة الإسكندرية    دعاء يوم القر.. «اللهم اغفر لي ذنبي كله»    وزيرة التضامن تتابع موقف تسليم وحدات سكنية    تعرف أفضل وقت لذبح الأضحية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سَرْد العِلم فى الظلمة
نشر في الأهرام اليومي يوم 15 - 02 - 2019

هو، من كتب عن الظلام أنشودة يُمجِّد فيها الستر القطيفى الحالك الذى يعتق الحناجر فتنطلق فى الغناء ما إن تنقطع كهرباء المدينة، ويشعر الناس بالتحرر فى الخفاء، يعود اليوم إلى تجربة «برجن وبارتون»، التى أجرياها عام 1973، وفيها، راحا يدرسان تأثير اللقاء فى الظلمة على سلوك مجموعات بشرية، تتكون كل منها من أربعة أفراد لا يعرف بعضهم بعضا، أربع فتيات، وأربعة فتيان، يدخلون فرادى إلى غرفة تامة الإظلام ليمكثوا ساعة من الزمن، ثم يخرجوا، ومن ثم تُجمع الملاحظات.
فى بعض هذه التجارب، كان الباحثان يخبران المفحوصَين بأنهما سيلتقيان بعد الخروج من الظلام، وفى بعضها الآخر لم يكونا يخبرانهما بذلك. لوحظ أن كل المفحوصين فى حجرة التجارب المظلمة تحدثوا قليلا لكنهم تحركوا كثيرا، وفى الحالات التى عرف فيها المفحوصان أنهما سيلتقيان عند الخروج كثرت الملامسات العرضية، وقلت الملامسات القصدية.
أما فى التجارب التى لم يكن فيها المفحوصان يعرف أحدهما الآخر ولا ينتظران أن يلتقيا بعد الخروج، فقد أفاد 80% منهم بأنهم شعروا ببعض الهياج، وتورط العديد فى التقبيل والاحتضان. وكان الاستنتاج: ان كون الشخص مجهولا وغير محدد الهوية فى الظلام الدامس، يدفعه للشعور بحرية تسقط فيها الحدود المجتمعية للتعامل مع الجنس الآخر، من الغرباء.
وها هو، وقد أحالته نتائج تلك التجربة إلى ما يمكن أن تطلقه الظلمة من انفلاتات بشرية أخرى أشد، يفكر فى فظاظات لابسى طاقية إخفاء الانترنت لدى كثرة كاثرة من مستخدميه، وشناعات جنوح المنتسبين للتنظيمات والجماعات والأجهزة السرية، أما فظاعات ممارسات المحميين بالسطوة والنفوذ وامتلاك السيوف على أعناق المسالمين العزل، بزعم صلاح الدين أو إصلاح الدنيا، فهم بذاتهم مُظلِمون يعربدون فى ظلمة، فيما يرتكبون فظاعاتهم فى ساطعات النهار، وصارخات الجهر.
وهاهو، وحتى يواصل العيش فيما آل إليه العالم من ظلمات تتكاثر، يتشبث بالتفاؤل، فتلك الأغانى التى كتب عن انطلاقها يوما مع انقطاع الكهرباء فى الليل، كانت حقيقة واقعية لم يفعل إلا أن رصد لحظة ميلادها، ولم تكن خارجة إلَّا من رحم تلك « الطبيعة البشرية»، نفسها، التى لم ترصد تجربة « برجن وبارتون» غير ملامح وجهها المظلم، فيما أغنيات الوجه المضيء فى العتمة، لا تزال أصداؤها تترجَّع فى أبهاء روحه، ويستعيد ترجيعها.
تلك اللحظة
فجأة، انقطع التيار، وأنا فى الشارع سادت الظلمة، وأحسست أننى على غير انتظار أنبعث فى هذا الليل. بدا العالم حولى كأنما ولد من جديد فى هذه اللحظة. بدا طازجا وأليفا من خلال صفاء الظلمة، حتى إن هواء الليل البارد قد استحال نسيما يرطب جبهتى، ويملأ صدرى بالانتعاش. شعرت على نحو مفاجئ أننى أفتقد الحياة، أفتقد الحياة حقا منذ أمد بعيد، وغشَّانى اليقين أننى كنت أحيا سنينى الأخيرة ميتا على نحو ما.
شعرت بحاجة هائلة للبكاء المحرق، ووددت لو أجرى صارخا ما أستطيع، دون أن يتعرف عليَّ أحدٌ فى هذه الظلمة. لكننى اكتشفت المدى اللانهائى من الراحة، فى الغناء. راح صوتى يتعثر، حتى سَلِست الدندنات، ثم انبثقت فى فضاء الروح مقاطع الأغنيات الحلوة البسيطة، البعيدة، التى ظننتها ماتت فى نفسى من قديم. أخذ أدائى يشجينى كلما جلوت صوتى بالغناء، وكنت أتمادى فأشعر كأنى أفلت من مراقبة ما، كأنى أعتق من شيء يكبلنى، وأنطلقُ خفيفا خفيفا فى رهافة الظلمة، وبراحها.
انتبهت إلى نفسى وقد بلغ شدوى حد ارتفاع الصوت، فسكت متلفتا، أتحسب استغراب الناس الماضين كأشباح فى الظلمة من حولى.
لكن هنيهة خجلى تحولت إلى دهشة عندما أرهفت السمع، واقفا فى ظلمة الشارع الكبير. سمعت مايشبه همهمات خافتة، ثم تبينت النغم فى تداخل الأصوات، وكأن أفراد فرقة موسيقية مختفية فى مكان ما يضبطون آلاتهم قبيل ابتداء العزف. رحت أُميِّز اختلاف الأصوات والأغانى كلما مرَّت بى أشباح الناس فى الظلمة: كل شبح بصوت، وكل صوت بأغنية، وكل الأغانى كانت مفعمة بالشجو والشجن.
عدت أواصل سيرى والغناء، وكان صوتى يرتعش، وتروغ الأغانى، كلما أوجست عودة التيار بغتة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.