فى الوقت الذى التزم فيه الرئيس دونالد ترامب بوعده الانتخابى المتمثل فى انسحاب أمريكا من حروب الشرق الأوسط، من خلال إعلان سحب قواته من سوريا؛ بقى هناك سؤال حارق حول مصير المئات من مقاتلى تنظيم داعش المحتجزين لدى القوات الكردية فى شمال سوريا فى سجون مؤقتة، والذين يقدر عددهم ب800 سجين، فيما بلغ عدد أسرهم الذين تم أسرهم 4 آلاف شخص، خاصة وأن مسألة محاكمة المقاتلين فى سوريا تبقى جد معقدة، تحديدا على المستوى القانوني، إذ إن أكراد سوريا ليسوا دولة، والعلاقات الدبلوماسية بين دمشق وأغلب الدول الغربية والعربية لا تزال مجمدة. ومع إعلان أمريكا انسحابها من سوريا، بات مطروحا الهجوم التركى على الاكراد بعد انسحاب حليفهم الامريكي، مما يجعلهم (الأكراد) غير قادرين أو غير راغبين فى احتجاز مقاتلى داعش أو الإشراف على المخيمات الخاصة بنسائهم واطفالهم، ومما يجعل فكرة إطلاق سراحهم وتسريحهم (المقاتلين وعائلاتهم)، خطرا مطروحا وليس فقط مجرد ورقة يستغلها الأكراد للضغط على المجتمع الدولي. وفى العراق، وأمام استحالة محاكمة مقاتلى داعش فى سوريا، تتولى قوات مكافحة الإرهاب مسئولية عمليات التحقيق والاستجواب قبل إحالتهم الى القضاء. إلا إن محاكمة هؤلاء فى العراق تطرح أكثر من سؤال يحرج الغرب الذى طالما دافع وتشدق بمبادئ حقوق الإنسان، وهو اليوم يقف صامتا بل مؤيدا لمحاكمة أبنائه الدواعش، حتى لو كانت العقوبة الإعدام للتخلص النهائى منهم وضمان عدم عودتهم لأوروبا. وقد أشارت تقارير حقوقية، أنهم بمجرد وصولهم للعراق، يتعرضون للتعذيب ويخضعون لمحاكمات غير عادلة، وتصدر فى حقهم أحكاما أشد بكثير مما يمكن أن تصدره المحاكم الغربية. ووفقا لمصادر قضائية عراقية، حكمت محاكم بغداد على أكثر من 300 مقاتل (بينهم مائة أجنبي) بالإعدام أو السجن مدى الحياة، بتهمة الانتماء إلى تنظيم داعش. أمام هذا الواقع المتأزم، ومع الانسحاب الأمريكى من سوريا، باتت إعادة الدول لمواطنيها المقاتلين المحتجزين فى سوريا، على الاخص، أمرا تفرضها المستجدات الحالية، خاصة أن هناك تخوفا من فرار هؤلاء المقاتلين، فى حال بدأت أنقرة عملية عسكرية شرق الفرات، واحتمال عودتهم إلى بلدانهم، فى غفلة من الأجهزة الأمنية التى لا تمتلك قاعدة بيانات عنهم؛ خاصة بعد إصدار داعش دليلا موجها خصيصا للمقاتلين الأجانب الذين يستعدون للعودة لبلدانهم الأصلية يحذرهم فيه من استعمال جوازات سفر مزورة، ولكن استعمال وثائق هوية حقيقية أو التخلى عن كل أنواع الوثائق، مع ترك كل الأغراض التى قد تفشى بمقامهم فى سوريا. فى البداية كانت معظم الحكومات ترفض هذا الخيار خشية أن تتسبب إعادة المقاتلين وسجنهم فى نقل عدوى التطرف الى باقى النزلاء وأن تتحول السجون إلى حواضن للفكر المتطرف، فى الوقت الذى قد يضر سجنهم بشكل منفصل بالموارد والأنظمة القانونية. أضف الى ذلك ما يمكن اعتباره مغامرة أمنية وتكلفة اقتصادية لإعادة ادماجهم داخل المجتمع، خاصة ان الامر يتعلق بمقاتلين راكموا تجربة ميدانية فى القتال، وتدربوا على الأسلحة، كما أنهم مرتبطون بشبكة دولية من المقاتلين تضم نحو 100 جنسية. لكن أمام الواقع العسكرى والأمنى الجديد واحتمال استغلال داعش تقلص الضغوط ضد الإرهاب لتعزيز وجوده السرى وتسريع إعادة بناء قدراته، وإمكانية فرار المقاتلين من سوريا إلى بؤر توتر أو أماكن أخرى أكثر تسامحا (معهم) من حول العالم، حيث قد يكون بإمكانهم السعى لمواصلة القتال، بالإضافة الى الخطر الأكبر المتمثل فى تسللهم الى بلدانهم للقيام بعمليات إرهابية، باتت إعادتهم الى بلدانهم بقرار سياسى وإشراف أمنى وقضائى أمرا لا مفر منه. على هذا الاساس، بادرت فرنسا، باعتبارها أكبر المصدرين للمقاتلين الأوروبيين الى سورياوالعراق، الى اعلان استعدادها لاستقبال دفعة من مقاتلى التنظيم، يبلغ عددها 130 رجلا وامرأة، والذين ستتم إحالتهم إلى القضاء فور وصولهم إلى فرنسا. وعلى الرغم من أن هذا القرار قد أحدث انقساما داخل الأوساط السياسية الفرنسية وأثار غضب عائلات ضحايا الإرهاب الذين ناشدوا الرئيس الفرنسى بعدم السماح لأولئك المقاتلين بالعودة الى فرنسا، الا أن باريس، شأنها فى ذلك شأن كل الدول المعنية بقضية المقاتلين، مطالبة بمواجهة واقعية لهذا الملف. بعد فرنسا ستسعى دول غربية وعربية أخرى إلى إعادة مقاتليها الموجودين فى سورياوالعراق، ورغم كل ما يمكن أن يقال بكون هؤلاء، بالإضافة الى من عادوا فى وقت سابق ويوجدون حاليا فى السجون، قنابل موقوتة، وذلك حال تم الإفراج عنهم فى غضون سنوات قليلة، لكن لا بديل عن هذا المسلك، مهما كانت مخاطره. فتحمل كل دولة وزر مقاتليها ومحاكمتهم وسجنهم داخل سجونها ومحاولة إعادة إدماجهم داخل مجتمعاتهم، يبقى أقل ضررا وأخف خطرا من فقدان آثارهم أو من تسللهم خفية إلى بلدانهم او بلدان اخرى لتشكيل مجموعات إرهابية واستكمال مسيرة القتل والذبح. لمزيد من مقالات ◀ وفاء صندى