لا تخلو ذاكرة السينما من العلاقة بين جودة البيئة وصحة السكان، وتأكيد طبيب العائلة فى مشهد بأكثر من فيلم يعود لزمن الملكية ضرورة تنفس مريضه جو ضاحية حلوان النقى لتفعيل الوصفة الطبية. وكلنا يعلم مقدار التغير البيئى بعد افتراش المصانع (الأكثر تلويثاً للبيئة) نحو 25% من مساحة حلوان، وصعوبة تحسين جودة الحياة لهؤلاء السكان فى ظل سيطرة التلوث الجوى المستمر، ولا علاج ينتظر دون مخطط لإعادة التوزيع المكانى بالأسس والمعايير البيئية. وكذلك إعادة تخطيط التقسيم الإدارى للحد من التشوهات فى الكثافة السكانية ودعم عدالة التوزيع للموارد البيئية، وقد سبق واقترحت جعل إقليم شبه جزيرة سيناء (الأكثر تفرداً بين الأقاليم البيئية) الإقليم المعيارى لتقسم مصر بمساحته إلى عدد (16) إقليماً بيئياً توافقياً من حيث الخصائص البيئية والفرص الاقتصادية المتاحة، حيث يصلح هذا التقسيم الاقتصادى البيئى لإدارة التنمية الشاملة وجودة الحياة فى البلاد على المستويين التخطيطى والإداري. وهناك خصائص الأقاليم البيئية المختلفة خارج نطاق الوادى والدلتا وتحديد الأنماط العمرانية والتنموية الملائمة لكل منها فى الدراسة المهمة للانتشار السكانى وتعمير الحيز غير المأهول فى صحراوات مصر وسواحلها (مجلس العلوم الهندسية أكاديمية البحث العلمى 2013)، التى تعطى الصحارى الساحلية بمصر الأولوية بالتنمية لما بها من مميزات وفرص متعددة، وهى الأفضل مناخياً، ويأتى الساحل الشمالى على رأسها، يليه إقليم البحر الأحمر (وخاصة الجزء الواقع بين إقليم السويس وخليج السويس) ثم المنخفضات النيلية، كما تعد تنمية سيناء وملء الفراغ العمرانى فيها ضرورة وطنية لتأمين وحماية حدود مصر الشرقية. وفى بيت المعمار المصرى خريطة الأنماط الإقليمية للعمارة الشعبية فى المعمور المصري، وذلك التباين فى الإقليم الساحلى بطول البحر المتوسط (شرقى ووسط وغربى الدلتا) وعلى حواف البحر الأحمر، والإقليم الريفى بين الوجهين القبلى والبحري، والإقليم الصحراوى فى شمالى ووسط وجنوبى الصحراء الغربية، وفى شمالى وجنوبى سيناء، والصحراء الشرقية حتى إقليم النوبة جنوبى الصعيد. وهى خريطة ورقية مبسطة تؤكد ذلك التنوع والتباين بين تلك الأقاليم الجغرافية وخصوصية جودة الحياة لكل إقليم منها. وعرض بيت المعمار ملامح الكود المصرى لمؤشرات جودة الحياة من خلال بعض التشريعات الأمريكية مع لقطات فوتوعمرانية من المحافظات تثبت عدم تحقيق حزمة قوانين العمران الحالية جودة الحياة، وأن الكود المنتظر صدوره يختص بالبيئة الحضرية فى المجتمعات العمرانية الجديدة، ويلزمه تشريع يقره مجلس النواب. ذلك ينقصه الأمان التطبيقى فى المشاركة المجتمعية من الخبراء فى كل مجالات جودة الحياة والجمعيات الأهلية وممثلين عن السكان من منظور الفئة المستهدفة، والبدء فى تنفيذ برامج لنشر ثقافة هذه الجودة المطلوبة بين فئات المجتمع ومعهم هؤلاء التنفيذيون والسياسيون. والشاهد أنه يكرس تقديم جودة الحياة فى عمارة الفئة القادرة (الأغنياء) داخل مجتمعاتها المسورة والمغلقة عليها، على الارتقاء بالبيئة العمرانية القائمة، والمطلوب هو تحسين جودة عمارة الفئة غير القادرة اقتصادياً (الفقراء)، والقضاء على عناصر الحرمان البشرى فى المعمور المصري. وتجدر الإشارة إلى أن لجنة الجهاز القومى للتنسيق الحضارى قد انتهت من دليل الأسس والمعايير البيئية فى الفراغات العمرانية (2014)، والذى يؤكد جودة الحياة والعناصر المؤثرة فيها، من واقع هدفه المباشر فى تحقيقها للإنسان داخل الحيز العمراني. وتبقى مقولتى عن جودة الحياة: هى حالة مستمرة ومتصلة من التكامل بين بناء الإنسان بمعايير الصحة والسلامة على المستويين الجسدى والوجدانى وتنمية المكان بأهداف حضارية تعظم مفهوم السعادة والاستمتاع بالحياة بعنصريها المادى والمعنوى فى الريف والحضر. ويعد مقياس جودة الحياة المنظور الأعلى لدرجة نوعية الحياة ومشكلات البيئة بين طغيان الحضور البشرى ومعطيات المكان. لمزيد من مقالات ◀ د. حمدى هاشم