من روائع التراث اللاتينى ترجم د. ثروت عكاشة فى 1979 «فن الهوى» للشاعر أوفيد، وقدم له بمقدمة ضافية تعرف به وبفنه الرفيع وكتابه الخالد. وترجمة ثروت عكاشة للآداب الإنسانية القديمة والحديثة لا تتقيد بحرفية النص، حرصا منه على أن يوفر للقراء فى صياغة العربية معانيه الأصلية فى ضوء المناخ الذى عاش فيه المؤلف، دون أن يتخلى عن الدقة التى لا غنى عنها فى كل ترجمة. ولد اوفيد فى قرية إيطالية صغيرة سنة 43 قبل الميلاد، ورحل فى سنة 18 ميلادية. تلقى تعليمه فى روما التى أتاح له تحضرها أن يطالع التراث اليوناني، وأن يختلط بالأدباء والحركة الأدبية الرومانية فى عصر الإمبراطور أغسطس. شغل منصب القاضي، لكن سرعان ما استغنى عن الوظيفة عندما آلت إليه عن أبيه كوريث وحيد له تركة تكفل له التفرغ لإبداعه، والدعة فى حياته. ولا شك أن كتاب « فن الهوي» أو« فن الحب» كما يرد فى بعض الكتابات النقدية، كان من ثمار هذا المناخ بما فيه من تفتح وتحرر وإقبال على الحياة المليئة بالمسرات والبهجة، التى ازدهرت فيها الفنون بعيدا عن كل أشكال التزمت، وهيأ له هذا المناخ أيضا أن يصبح بملكاته وثقافته من أهم شعراء اللاتين الذين عاش إنتاجهم فى أعمال العصور الوسطى والنهضة الأوروبية. غير أنه فى سنة 8 ميلادية وهو فى سن الخمسين من عمره تعرض للنفى ومصادرة أشعاره، بسبب هذه الحسية الطاغية فى كتابه،رغم القيمة الجمالية بل والأخلاقية المرهفة التى ينطوى عليها فى مجال الغزل، والتى لم يصل إليها أو يضارعها أحد، على كثرة الشعراء الذين تناولوا الحب. ولم يكن يؤلم أوفيد أو يكسر قلبه فى المنفى الذى مات فيه سوى أنه ترك وطن آبائه، وكان يرى أنه كشاعر من الصف الأول، وضع فى دواوينه تعاليم للحب، ولا يستحق هذا العقاب القاسى الذى نزل به، خاصة أنه لم يتعرض لأحد قط من الحكام وعلية القوم بالهجاء أو الهجوم. ويتمثل مضمون «فن الهوى» فى التعبير عن عواطف الرجال نحو النساء وأحاسيس ومشاعر النساء نحو الرجال، مع تعليم الجنسين، كل على حدة، كيف يتعامل مع الطرف الآخر، وكيف ينجح فى جذبه والإبقاء عليه أطول مدة، وهذا لن يكون إلا بالاتحاد التام به، وتحمل متطلبات وتكاليف الحب. أما عن السلوك، فإن أوفيد يوصى الرجال أن يتسموا بالجرأة وعدم اللدد، ويوصى النساء بالحيلة لأن المرأة لن تقدم نفسها، فعليها أن تتقن المداراة، وأن تجيد فن التجميل والتزيين لنفسها، وتتجنب العصبية لئلا تصبح مكروهة وينفر منها كل من يراها. أراد أوفيد للنساء والرجال ان يتصفوا بالشيم الرفيعة، وأن يرتقوا بطباعهم إلى أعلى الدرجات. ولأوفيد أربعة دواوين تتناول الحب، يتحدث فيها عن محبوبته كورنيا، وهى شخصية خيالية ليس لها وجود واقعي، ومع هذا فإنه كان يعبدها.وفى الشفاء من الحب يقدم منهجاً للتخلص منه قبل أن يتملك المرء، وذلك بعدم الذهاب إلى الأماكن التى كان يلتقى فيها حبيبته، وإنما ينأى عنها، حتى لا يستيقظ فيه ما يريد أن يخمده. وعليه أيضاً أن يتخلص بالتمزيق والحرق من كل صور ورسائل من أحبها، لكن بعد أن تضعف سطوة هذا الحب فى نفسه، ثم يبدأ فى البحث عن حبيبة جديدة.