بمجرد الحديث معها تدرك أن لعقلها نصيبا كبيرا من جمالها، لا يقل عن جمال وجهها، خاضت حروبا كثيرة فى مسيرة حياتها، أهمها حربان مع مرض «السرطان»، وحربها المستمرة لإثبات ذاتها وبناء مستقبلها بعد بتر ساقها اليسرى، تدرس حاليا فى كلية الحقوق القسم الفرنسى بجامعة القاهرة، واستطاعت أن تتكيف مع ساقها الصناعية وتسير بها وهى فخورة بين زملائها .. إنها مريم أيمن «23 عاما» التى نعرض تفاصيل تجربتها لنتعلم منها معانى التحدى. تقول: بدأت قصتى عندما كنت بالصف الثالث الإبتدائى، حيث كنت أشكو دائما من وجود آلم فى الساق اليسرى، وأوضح الأطباء أن سببه يرجع إلى وجود جزء صغير من «إبرة» خياطة داخل ساقى، ولا أدرى كيف دخلت، ربما فى أثناء مرحلة «الحبو» وأكد جميع الأطباء أنه من الأفضل عدم إخراجها لصعوبة الوصول إليها، لذا تحملت الألم طيلة 7 سنوات، بل وتعايشت معها، حتى حدثت الصدمة عام 2015، عندما اكتشف الأطباء وجود أورام سرطانية فى الساق اليسرى، ثم انتقلت إلى الرئة. وأضافت: كان العلاج ينقسم إلى مرحلتين، الأولى علاج أورام الرئة بجلسات الكيماوى، وكان رأى الطبيب أن الأمل فى الشفاء ضعيف لا يتعدى 15٪، وأن الهدف فقط إطالة عمرى بعض الوقت، لكن أحساسى وقتها جعلنى أشعر أننى سأستجيب للعلاج، وأن ما يعجز عنه الطب الله فقط من يقدر عليه، وشكرت الله على أبتلائى، وشعرت أنها ستكون بداية جديدة وليست نهاية، وقد صدق أحساسى، وبدأت الأورام تقل تدريجيا بعد الجلسة الثالثة، واختفت نهائيا بعد السادسة، وشفيت تماما. مريم تعود إلى البحر وتكمل: ثم بدأت مرحلة علاج أورام الساق اليسرى، وكان مقرر لها العلاج عن طريق الجراحة لازالتها، ولكن داخل حجرة العمليات وجد الطبيب استحالة إجراء ذلك وأنه مضطر إلى بتر كل الساق، وبعد أن استعدت الوعى، اكتشفت ما حدث، كانت صدمتى كبرى، وتبدل أحساس الأمل بمشاعر سلبية، وخليط من الغضب والرفض واليأس، شعرت أن جسمى غريب عنى، وبمرور الوقت أدركت أن التعامل الصحيح مع الألم يحول المشاعر السلبية إلى إيجابية، وفهمت أن الشخص المعاق هو العاجز عن التأثير فى المجتمع وليس محدود الحركة. وتواصل مريم حديثها: منحتنى أسرتى الأمل، وأصبحت أفكر فى المغزى الحقيقى من تلك التجربة، و الطريف أنى احتفلت بعيد ميلادى الحادى والعشرين فى المستشفى بعد بتر ساقى بيومين فقط، لكنى شعرت أنه عامى الأول، حيث بدأ شعرى فى النمو من جديد، وكنت أحاول تعلم المشى، وبعد ذلك سافرت إلى كندا لتركيب طرف صناعى، وبدأت أفكر كيف سارتدى حذاًء بكعب، أو فستان قصير مثل كل البنات؟ كيف سأجرى وارقص؟ خصوصا انى كنت أحب الحركة، بدأت أشعر بالحزن عندما شاهدت نفسى بالطرف الصناعى. وتستطرد: مع مرور الوقت تأكدت أنى ازددت جمالا وصلابة ونضجا، وبدأت أشعر بحبى لذاتى، وقررت أن أصبح أكثر شجاعة وأخرج لمواجهة المجتمع بالطرف الصناعى، وأعيش كما أحب، وذهبت إلى البحر للسباحة، وارتديت ملابس البنات كلها، وعرفت معنى الرضا بحياتى الجديدة، لكن لم تكن تلك نهاية المعاناة، فقد عاودنى سرطان الرئة مرة أخرى بعد عام واحد من العلاج، أجريت جراحة لاستئصال الأورام، ثم جلسات الكيماوى، وتلاها العلاج بالأدوية لمدة عام، وأدركت أن الهدف الآلهى من تجربتى قد يكون فى أن أصبح مصدر إلهام وقوة لكل إنسان محبط. وعن دراستها بكلية الحقوق قالت مريم: عدت مرة أخرى إلى دراستى بالجامعة بعد انقطاع ثلاث سنوات، فبتر ساقى لم يمنعنى من دراسة المحاماة، تلك المهنة التى أحبها منذ الصغر، لتعلقها فى ذهنى بالدفاع عن المظلومين، ومنذ أربعة أشهر أمارس تمرينات لياقة بدنية لتقوية جسمى، وسعيدة بذلك لأنى أحب الرياضة بوجه عام، وفى الطفولة مارست الجمباز والسباحة والاسكواش، وأيضا أحب الرسم وأحلم بإنشاء مؤسسة تضم جميع المصابين بالسرطان وبتر الساق ليدعم كلا منا الأخر، وأرى أن رحلة الحياة مزيج من المشاعر المتناقضة، وتكمن المهارة فى كيفية استدعاء كل شعور والتحكم فيه طبقا للمرحلة التى نعيشها، وأن الوصول للرضا والفرح يحتاج المرور بالألم، فتلك هى الحياة. وتمارس عشقها للرياضة