المدن كما البشر .. منها ومنهم من تقع فى حبه من النظرة الاولى . وبودابست كانت ولا تزال من المدن القلائل التى ينسحب عليها مثل هذا القول المأثور، وما صرت معه على يقين منذ جئت إليها وافدا، أطلب صداقتها وأخطب ودها منذ ما يقرب من السنوات الثماني. رحلتى آنذاك، وما أعقبها من زيارات تكررت كثيرا بحكم العمل كأول مراسل مصرى معتمد لدى وزارة خارجيتها فى العاصمة المجرية، بدأتها من شطرها الشرقى المسمى «بشت»، من محطة القطار التاريخية العريقة المعروفة لدى العشيرة المصرية فى المجر ب«الكالاتي» أو «بودابست كيليتي» (الشرقية) حسب التسمية الصحيحة بالمجرية. وفى هذه المرة .. وصلت قادما من العاصمة النمسوية فيينا، إلى غربها فى الشطر القديم على الضفة المقابلة من نهر «الدانوب الازرق» الذى يحمل اسم «بودا»، وحيث المقر الرسمى لسفارتنا المصرية فى المجر، على متن أحد باصات شركة نقل حديثة، فاجأتنى برخص أسعاره وحسن خدماته، ودقة مواعيده المحددة سلفا فى بطاقة السفر «بالدقيقة». وكما حظيت آنذاك بترحيب وكرم الوفادة من جانب السفير السابق محمود المغربى الذى عاد أخيرا الى أحضان الوطن بعد نجاح مهمته الرسمية، وهو ما قدرته الحكومة المجرية بمنحه «وسام الاستحقاق» بدرجة « قائد عظيم»، وتسلمه من سفير المجر بالقاهرة مع آخر أيام العام الماضي، سعدت هذه المرة بلقاء سفيرنا الجديد أشرف الموافى الذى سبق وعمل فى الكثير من سفاراتنا فى الخارج والتى كانت آخرها فى العاصمة النرويجية أوسلو، وهو اللقاء الذى تبادلنا فيه أطراف حديث طويل حول ماضى وحاضر العلاقات المحلية والدولية، وما ينشد تحقيقه من موقعه الجديد للارتقاء بعلاقات مصر مع المجر فى الفترة القريبة المقبلة. رحلة التعارف هذه المرة اتسمت بالكثير من الأريحية والبساطة، لكونها تجىء مع أصدقاء ومعارف قدامى سبق والتقيناهم خلال زياراتنا السابقة، وتناولنا بعضا من مشاهد انضمامهم الطوعى الى المجتمع المجرى فائدا ومستفيدا. وذلك ما نعنى به أن الكثيرين منهم وفدوا إلى بودابست مكتملى الدراسة والمعارف الحياتية، بينما يشغلون اليوم الكثير من المواقع والمناصب المرموقة فى العديد من أبرز المؤسسات التقنية الدولية والمحلية فى بودابست. مجموعة من الشباب والكبار من أصحاب الخبرات العلمية والحياتية، لم تصرفهم مصاعب الغربة وتعقيداتها، عن هموم الوطن ومشكلاته. اجتمع هؤلاء تحت لواء تنظيم إدارى مسجل لدى السلطات المجرية تحت اسم «رابطة المصريين الثقافية والاجتماعية فى المجر». وبهذه المناسبة كانت الهيئة الإدارية الجديدة قد انتهت من مهمة اختيار قوامها الجديد مع آخر ايام العام الماضى على نحو بالغ التحضر. فقد أعرب رئيسها السابق الدكتور السيد حسن وعدد من زملائه وبعد فترة طويلة دامت لزهاء السنوات العشر، عن رغبتهم فى التخلى عن مواقعهم لمصلحة الشباب ممن زاملوهم فى العمل التطوعى لسنوات عديدة، وهو ما تم وسط أجواء من المودة والصداقة. وفى ذات الصدد نشير أيضا الى ما أثاره أبناء الوطن فى غُرْبَتهم المجرية حول ضرورة الحفاظ على الهوية المصرية وربط الأبناء والأحفاد بالوطن من خلال مشروع «المدرسة المصرية وتحفيظ القرآن» الذى نجحت «الرابطة» منذ سنوات فى تنفيذه، وهو ما قالوا إنه يحتاج الدعم المعنوى والأدبي، وليس المالى من جانب المسئولين فى القاهرة..