يقول شوقي: مثَلُ القَوْمِ نسوا تاريخَهم كلقيطٍ عَيَّ في النَّاسِ انتسابَا التاريخ هو البشر في آمالهم وطموحاتهم في انتصاراتهم وإخفاقاتهم في حضاراتهم وبدائياتهم. فهو النقش الجِيني الذي يجري في دماء الشعوب، به تستشرف الأمم غدها وتعرف هَناتها فتعدلها. شريطة أن يكتبه مؤرخ عدل ثقة لا ينتمي للمنتصر أو المنهزم. فتاريخ الشعوب جميعا حالات متواترة من الانتصارات والانكسارات، ولن يقف التاريخ عند نقطة بعينها بل سيظل في هذه الحركية الدائمة يقول الله تعالي: إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140). آل عمران. وقد أبدع شوقي في تصويره القوم الذين نسوا تاريخهم بلقيط مجهول الهوية والنسب عاجز عن أن يثبت ذلك. وبهذه النظرة لا يمثل التاريخ مجرد أحداث تروي، ويُتباهي بها بل يشكل الوجود الفاعل والمؤثر في مسيرة التطور البشري. وقد استوقفني في هذا السياق جملة من كتاب ميجي قوي بشرية قادت التغيير إعداد هيئة الإذاعة والتليفزيون اليابانية ترجمة د.عصام حمزة، والكتاب مطبوع 2008 هذه الجملة تقول: وبعد مرور قرن من الزمان تقف اليابان عاجزة عن استشراف مستقبلها بوضوح وهي مثقلة بالعديد من المشكلات، مثل قلة المواليد وارتفاع متوسط الأعمار، وقلة القوي العاملة، وانخفاض القدرة التنافسية، وانهيار دور المدارس ثم يُطرح سؤالٌ من خلال الكتاب: ماذا علي اليابان أن تفعل؟ ثم يجيب بأن الحل يأتي من العودة إلي الإصلاحات التي تمت علي عهد ميجي لتكون معلما للطريق. لقد عادت اليابان إلي تاريخها لتحصل منه علي مفتاح الحل بما يتفق مع المستقبل. ومن العجيب أن المؤسسات الغربية نجحت عبر مئات السنين في فرض طرائقها في تفسير الأحداث التاريخية، وتحليل مكونات الشعوب والأمم وفق صياغة التاريخ وتوظيفها لخدمة مصالحها. وكانت النتيجة تلك الأحداث التي حلت بالعالم، وقد مُنيت منطقتنا العربية بالنصيب الأوفي منها. وإن نظرة خاطفة إلي ما حل بأمتنا في هذه الفترة القصيرة من عمر الزمن في القرن الحادي والعشرين ، تبيِّن كيف أن الاستعمار عاد في ثوب جديد أشد شراسة وأشد فتكا. عاد ليصوغ تاريخنا حسبما يهوي بطريق غير مباشر بطمس الهوية، واذكاء نار الفتن الطائفية. لقد هجم هجمة شرسة علي الأمة فترك لبنان تعاني واليمن تئن وليبيا تنزف وسوريا تلم شتاتها والعراق تتفتت ومصر تستنهض همتها بعد الهزة الاقتصادية. إن السيطرة علي مقدرات الشعوب العربية وتشريد أبنائها في كل مكان كان الهدف المنشود بعد أن كانوا ينعمون في وطنهم بنعمة الأمن وسعة الرزق وبعد امتلاكهم رصيدا هائلا من الثقافة والحضارة ومصادر الثروة. و لقد كان التاريخ حاضرا دائما ولكننا بدلا من أن نقرأه أهملناه واتهمناه. و كانت نظرة سريعة إليه كفيلة بمعرفة ما يراد بنا. ولست بحاجة إلي أن أعدد بعضا من الشواهد علي ذلك، فكلنا يعيش الآن محنة العبث بمقدرات الأمة العربية، والتدخل في شئونها، والتحدث بلسانها وكأنها اختفت من خارطة التاريخ! إن الوعي بالتاريخ ليس مجرد كلمة تقال، أو شعار يتردد، وإنما هو بصر بالطريق وإدراك للواقع الذي نحياه، ومعرفة بحقيقته وحركته الديناميكية، لوضع معالم المستقبل. وهذا لن يتحقق بالطبع إلا بإعادة تشكيل الإنسان العربي وجدانيا ومعرفيا وتاريخيا حتي تكتمل منظومة بناء الإنسان. فمن يبني لن يموت أبدا وفي الوقت: من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إلام لمزيد من مقالات شيرين العدوى