يستحق كتاب «خطابات محمد خان إلى سعيد شيمى» الجائزة التى حصل عليها كأفضل كتاب فى الفنون بمعرض القاهرة الدولى للكتاب فى دورته ال 50 بجزأيه الأول والثانى، خصوصا أنه ليس مجرد كتاب عن رسائل متبادلة بين اثنين من كبار عشاق وصناع السينما، خان المخرج صاحب الأسلوب السينمائى الخاص جدا، وسعيد شيمى أحد أهم مديرى التصوير فى تاريخ السينما المصرية، نعرف من خلالها مشوارا من الكفاح والتعب والحلم، من شغف الفرجة والكتابة عن السينما إلى متعة وبهجة صناعة الأفلام وصولا إلى مرحلة التحقق الفنى والنضج الإنسانى، بل هو كتاب عن رحلة حياة تكشف الكثير وتبوح بحالة متفردة من عشق السينما والوطن، ليس ذلك فقط فالكتاب الصادر عن دار «الكرمة» بجزأيه الأول والثانى يحمل رائحة الوطن وقاهرة أخرى غير التى نعيش فيها حاليا، القاهرة فى الخمسينيات وحتى الستينيات من القرن الماضى وكما جاءت فى مراسلات محمد خان وسعيد شيمى كانت مدينة تشهد ثورة حقيقية فى كافة المجالات مدينة تشهد ميلاد ثورة أدبية وفكرية وفنية، نوادى للسينما وجمعيات للفيلم وحركات سينمائية نشطة، ومحاولة جادة للتعرف على سينمات وإنتاجات عالمية مختلفة، سينما إيطالية، وفرنسية، وروسية إضافة إلى السينما الأمريكية. فى كتاب «خطابات محمد خان إلى سعيد شيمى» نرى بل نشعر ونتماهى مع حالة فريدة من الصداقة الإنسانية «سعيد وميمى اسم الدلع لمحمد خان» شابان تجاورا فى السكن وربطت بين عائلتيهما علاقة إنسانية وطيدة وممتدة. والد خان تاجر الشاى الباكستانى ورئيس الجالية الباكستانية، ووالد سعيد شيمى الطبيب، وكيف كانت العائلتان تقضيان الوقت معا، سعيد وميمى وعلاقتهما المتميزة والخاصة بوسط القاهرة، محلات الأكل المفضلة، الشوارع، السينمات الصيفى وغيرها، الاسكندرية بشواطئها، وأيام سيدى بشر والمعمورة. تلك العلاقة التى امتدت من سنوات الطفولة، وحتى رحيل «خان» فى 2016، ومن يعرف «خان وسعيد» فى الحياة يتأكد من تفرد العلاقة بينهما مثلما جاء فى الخطابات. خطابات خان محملة بحالة خالصة من حب مصر، وعشق السينما، وصدق فى الحكى، سواء عن العام أو الخاص، وأنت تقرأ الكتاب تجد وصفا تفصيليا صادقا من خان لمشاعره، وقصص الحب التى عاشها، أو العلاقات التى دخل فيها، والخبرات الحياتية التى اكتسبها، خلال فترة دراسته وعمله فى لندن، احلامه المجهضة، لحظات اليأس والفشل، ورغم ذلك الإصرار على النجاح، الثقافة السينمائية الواسعة، والتى كانت تجعله يسجل فى خطاباته ملاحظات نقدية تفصيلية عن الأفلام التى كان يشاهدها فى لندن، وكان يحسبها بالأرقام وعندما وصل إلى الرقم 2000 كان يمازح سعيد شيمى، الذى لم يكن قد وصل إلى هذا الرقم. رغبة المخرج محمد خان الشخصية هى الدافع الرئيسى لنشر خطاباته الخاصة فى كتاب حسبما قال مدير التصوير والمؤرخ سعيد شيمى. وقال شيمى: الفكرة راودت خان قبل وفاته بحوالى عام، ودار حديث بيننا حولها، ومن هنا اصبح هذا الكتاب بعد رحيلة وصية واجبة التنفيذ. وتابع شيمى: خان هو كاتب هذا الكتاب، ودورى فقط هو كشف وتفسير بعض المناطق الغامضة فيه. واشار إلى أن فكرة هذه الرسائل جاءت عندما اضطر خان للسفر إلى لندن بسبب ظروف عمل والده، وهناك اطلع على أفلام متنوعة لجنسيات مختلفة وبدأ فى الكتابة عن هذه الأفلام وإرسالها لى، حيث كان حب السينما هو أكثر شىء يجمعهما منذ الطفولة، وجاءت هذه الخطابات بمثابة سجل سينمائى مليئة بأفلام بعضها لم يعرض فى مصر. وتكشف الخطابات والصور النادرة المنشورة فى الكتاب كيف عانى خان فى سبيل تحقيق حلمه وتقديم أفلام سينمائية تحمل توقيعه وتعكس روحه، حيث عمل فى لندن كسائق تاكسى لفترة وفى محطة بنزين ومطعم، وبائع فى محل جينز ومندوب شركة تأمين بفترات اخرى، وذلك بهدف جمع بعض المال الذى يساعده على العودة إلى مصر والعمل بها كمخرج. تعكس الخطابات موهبة خان الحقيقة والصادقة فى التأليف وهو صاحب خيال واسع منذ صغره، وهو ما جعله يرى الأشياء بعين مختلفة، ما انعكس على أعماله الفنية التى غيرت فى السينما المصرية بشكل كبير جدا، وساهم فى تشكيل ملامح الموجة الحديدة أو الواقعية الجديدة والتى يعد أحد روادها و«خان» قدم حوالى 24 فيلما للسينما المصرية، منها 16 فيلما فكرته مثل موعد على العشاء، والحريف، وسواق الأتوبيس فهو عن قصته وإخراج عاطف الطيب، وأحلام هند وكاميليا، وزوجة رجل مهم، وبنات وسط البلد، وشقة مصر الجديدة وفتاة المصنع وغيرها. وفى مقدمة الكتاب التى صاغها الناقد والكاتب محمود عبد الشكور أكد على أهمية كتاب «خطابات محمد خان إلى سعيد شيمى» كوثيقة مهمة تنضم إلى مكتبة الإصدارات السينمائية وذلك لأنه رصد معاناة شاب مصرى أراد أن يحقق حلمه، ولم يفقد ولو للحظة إيمانه بأنه سيصبح مخرجا، وكأن هذا الكتاب يقول لكل شاب لابد من السعى وبذل المجهود لتحقيق الحلم. وقال عبد الشكور إن سعيد شيمى أزال الغموض عن هذه الخطابات وبِين السياق السياسى والاجتماعى والسينمائى لها، لافتًا إلى إدراكه بأنه أمام قصة درامية تتوافر فيها جميع عناصر الدراما الأساسية. كتاب «خطابات محمد خان إلى سعيد شيمى مشوار حياة» مكون من 3 أجزاء، الجزء الأول خطابات محمد خان لسعيد شيمى من «1959 1966» ويتحدث «شيمى» خلال هذا الجزء من الكتاب عن الفترة التى سافر فيها «خان» للدراسة بالخارج، حيث كانا يتبادلان عدة رسائل أسبوعيًا بمعدل 4 رسائل تقريبًا، يحكى كل منهما عن حال السينما فى البلد الموجود فيها، والأفلام التى شاهدها، والجزء الثانى يستكمل فيه شيمى رحلة خان وصولا لتحقيق حلمه، أما الجزء الثالث من المفترض أن يصدر فى الذكرى الثالثة لرحيل خان والتى تحل فى 26 من يوليو المقبل.