يحدث أحيانا أن يفاجئنا الواقع بأنه أكثر إثارة من الخيال، فالقبض على منج وانتشو، الرئيسة المالية لشركة هواوى الصينية فى كندا تمهيدا لترحيلها إلى الولاياتالمتحدة، مشهد يصلح لروايات الجاسوسية. حدث ذلك فى ديسمبر الماضى. وجاءت الحلقة التالية مطلع هذا الأسبوع، عندما أصدرت وزارة العدل الأمريكية لائحتين منفصلتين تتضمنان 13 اتهاما ضد هواوى وضد مسئولتها التنفيذية، وهى ابنة مؤسس مجموعة هواوى، كما تشغل منصب نائب رئيس مجلس إدارتها. تتضمن تلك الاتهامات الكذب على السلطات الأمريكية والاحتيال المالى والتشغيل السرى لشركة «سكاى كم» بهدف بيع تكنولوجيا لإيران، منتهكة بذلك الحظر الذى تفرضه واشنطن على طهران. وتضمنت عريضة وزارة العدل الأمريكية كذلك اتهامات لهواوى بسرقة التكنولوجيا من خلال الشركات المختلطة، ومنها واقعة سرقة تكنولوجيا حدثت عام 2012، عندما طلب مهندسو هواوى العاملون فى الصين مباشرة من زملائهم فى هواوى أمريكا العاملين فى مختبر «تي- موبايل» بولاية واشنطن أن يمدوهم ببيانات تفصيلية عن روبوت اسمه «تابي» وخاصية التشغيل من خلال لمس الهاتف. وبعد محاولات لم تفلح لنقل هذه البيانات، تمت سرقة ذراع «تابي» من المختبر وتهريبه إلى الصين، ثم إعادته إلى أمريكا. وفيما أعلنت هواوى أن التحقيقات آنذاك لم تسفر عن اى اتهامات، يقول الأمريكيون إن الشركة أجرت تلك التحقيقات للتغطية على الواقعة. كانت شركة هواوى قد بدأت العمل فى إنتاج أجهزة معاونة لشبكات الاتصالات، ثم دخلت مجال صناعة الهواتف الذكية. ورغم عدم تمكنها من النفاذ إلى السوق الأمريكية، إلا أنها تستحوذ حاليا على نسبة 15 فى المائة من السوق العالمية، لتصير فى المرتبة الثانية بعد سامسونج (كوريا الجنوبية)، متفوقة على أبل (الأمريكية). وفيما يرى البعض هواوى كقصة نجاح جديرة بالإعجاب ومنصة لانطلاق الصين إلى التفوق فى مجال التكنولوجيا والابتكارات، يُسود فى أمريكا اعتقاد بوجود علاقات وثيقة بين الشركة والحكومة الصينية والحزب الشيوعى، وهو مانفته الشركة مرارا. ويرى مايكل شومان، الخبير فى الشأن الصينى، ومؤلف كتاب «المعجزة: ملحمة المسعى الأسيوى للثروة»، أن سبب هذا الخلط يعود لشخص مؤسس هواوى، «رن شنجفاي» الذى كان مجرد ضابط مهندس بجيش التحرير الصينى، والذى أسس الشركة عام 1987 بدون دعم حكومى ولا ميراث عائلى ولا خبرة فى مجال الاتصالات! وبطريقة ما، بدون رأسمال أو خبرة، استطاع أن يخلق عملاقا اليكترونيا يعمل به 180 ألف موظف. الشركة من الناحية الرسمية مملوكة لموظفيها، ولايملك مؤسسها، الذى يشغل منصب رئيسها التنفيذى لأكثر من ثلاثين عاما، سوى 1.4 فى المائة منها. وبحسب شومان فإن هواوى قصة نجاح محبوكة ينقصها أن بطلها يفتقد الجاذبية الشخصية، فهو قليل الظهور إعلاميا، وغير مهتم بالحديث عن نفسه، صورة مخالفة تماما لشخصية رجل الأعمال الصينى «جاك ما» مؤسس موقع على بابا للتجارة الإلكترونية. المسئولون عن هواوى يؤكدون دائما، أنهم ملتزمون بالقوانين فى البلاد التى يعملون بها، يواصلون العمل بنجاح، حيث وصلت أرباح الشركة إلى 39 مليار دولار عام 2017. ورغم ذلك فإن المستقبل قد يحمل للشركة الكثير من التحديات. فقد أقرت الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبى قوانين للتدقيق فى الاستثمارات الأجنبية الوافدة إلى أراضيهم. ويُعتقد أن الهدف من هذه التشريعات هو حماية التكنولوجيا المتقدمة من الوقوع فى أيدى الصينيين. هذه التطورات تضع هواوى فى قلب الصراع بين واشنطن وبكين فى 2019 ومابعدها، حيث صارت تكنولوجيا الموبايل والأمن القومى وجهين لعملة واحدة.