نشرت صحيفة الشرق الأوسط مقالا للكاتب «عبدالله الردادى» عن إنجازات شركة هواوى الصينية فى عالم الاتصالات والتكنولوجيا.. جاء فيه: فى هذه الأيام تحتفل الصين بمرور 40 عاما على مشروع التحول الصينى؛ المشروع الذى أعاد تشكيل الصين من دولة شيوعية محضة، إلى ما هى عليه الآن من التطور الاقتصادى والتقنى. وثمة تشابه لا يمكن إنكاره بين التطور الذى حدث فى الصين خلال العقود الماضية، وبين شركة «هواوى» الصينية عملاق شبكات الاتصالات والهواتف الجوالة التى احتفلت العام الماضى بمرور 30 عاما على إنشائها من «رين زينجفوى». بدأت شركة «هواوى» بنشاط بسيط عام 1987، وهو استيراد أجهزة الاتصالات الثابتة من هونج كونج ومن ثم بيعها فى الصين، ولم تكن حينها إلا لاعبا صغيرا فى عالم يعج بشركات كبرى؛ منها المحلية ومنها العالمية. وفى حين التفتت هذه الشركات الكبرى إلى المناطق المزدحمة بالسكان، ذهبت «هواوى» إلى المناطق النائية حيث تقل المنافسة، وعملت على تزويدها بخدمات الاتصالات بشكل يتناسب مع احتياجاتها البسيطة. وبداية التسعينيات كانت نقطة انطلاق «هواوى»، فبعد أن كانت الشركة تعتمد بشكل أساسى على الهندسة العكسية، بدراسة التقنيات المتوافرة من منافسيها، قررت الشركة إنشاء مركزها الخاص للبحث والتطوير. وفى ذلك الوقت كانت تعد هذه الخطوة جريئة فى الشركات الصينية، التى كانت تعتمد على مراكز بحث مشتركة مع شركات غربية، وتكتفى بتصنيع ما تحصل عليه من تقنيات من هذه المراكز. إلا إن «هواوى» كان لها رأى آخر، حيث فضلت أن تبدأ فى الاستقلال عن الشركات الغربية التى بدأت فى رفع قضايا عليها بسبب استخدامها الهندسة العكسية، مع أن القضاء الصينى لا يجرم استخدام الهندسة العكسية للمنتجات المطروحة بالأسواق. وبلغ حرص «هواوى» على مركز أبحاثها، أن بلغ عدد موظفى المركز 500 موظف، بينما لم يبلغ عدد موظفى قسم الإنتاج والتصنيع أكثر من 200 موظف! وفى منتصف التسعينيات، بزغ نجم الاتصالات المتنقلة وبلغ عدد مستخدمى هذه الخدمة أكثر من 5 ملايين شخص فى الصين (بعد أن كان أقل من 700 شخص فى نهاية الثمانينيات). وكان رد فعل «هواوى» هو إنشاء مركزين للأبحاث فى بكين وشنغهاى، يختصان بأبحاث الشبكات المتنقلة. وحتى ذلك الحين، وعلى الرغم من الربط بين «هواوى» والحكومة الصينية لأن مؤسس الشركة كان ضابطا سابقا فى الجيش الصينى فإنه لم يكن من السهل على «هواوى» الحصول على تمويل لمشروعاتها وأبحاثها، وكانت تضطر للاقتراض من شركات أكبر منها بفائدة عالية، مقارنة بالشركات المملوكة للحكومة الصينية، والتى كان يسهل عليها الحصول على القروض من الحكومة. إلا إن العام 1996 شهد تغيرا للعلاقة بين «هواوى» والحكومة الصينية، حيث لاحظت الحكومة الصينية جهود «هواوى» ونشاطها، وبدأت فى منحها عقودا حكومية وسهلت للشركة العمل داخل الصين وهو ما ساهم فى رفع مبيعاتها بشكل ملحوظ. وكان عام 2004 عاما مشهودا ل«هواوى»، حيث تفوقت مبيعات «هواوى» خارج الصين على مبيعاتها داخل الصين، وبدأت الشركة حينها التحول إلى شركة عالمية بشكل ملحوظ، واستمر هذا التطور حتى عام 2012، حيث تعرف العالم الغربى على «هواوى» بشكل آخر، حين كسرت هيمنة شركة «إريكسون» على صناعات شبكات الهواتف الجوالة. ومنذ ذلك الحين حتى وقتنا الحالى لا تزال «هواوى» فى المركز الأول عالميا فى هذا المجال. إلا إن «هواوى» لم تكتف بذلك، فقد بدأت فى العام ذاته فى الالتفات إلى صناعات الهواتف الذكية بشكل جاد، وساعدها وجودها فى دول مختلفة ومعرفتها باحتياجات عملائها إلى هواتف ذات أسعار منخفضة، فى النجاح بشكل كبير. واستطاعت «هواوى» هذا العام انتزاع المركز الثانى من شركة «آبل» فى حجم مبيعات الهواتف الذكية فى العالم. إن قصة نجاح «هواوى» لجديرة بالدراسة، حيث استطاعت السيطرة على صناعات لم تكن فيها إلا لاعبا صغيرا، واستطاعت بتبنيها سياسات بحث وابتكار جادة تطوير منتجاتها بشكل سريع وبأسعار تنافسية. وعلى الرغم من كثرة الاتهامات الموجهة إليها بالسرقة الفكرية أو العلمية، فإن الأرقام تشير إلى عكس ذلك، ففى عام 2012 وصلت «هواوى» إلى أكثر من 20 ألف براءة اختراع ممنوحة، وفى عام 2014 حصلت على المركز الأول فى التقديم على براءات اختراعات فى العالم. ويبلغ متوسط إنفاقها على البحث العلمى أكثر من 10 فى المائة من مبيعاتها السنوية منذ 2007، كما أنها أعلنت أن ميزانية البحث والتطوير فى العام الماضى وحده بلغت 14 مليار دولار، وأن هذه الميزانية قد تنعكس إيجابا على مبيعات هذا العام التى قد تتجاوز 100 مليار دولار لأول مرة فى تاريخ الشركة، لتثبت «هواوى» ومن خلال تاريخها الطويل أن الاستثمار فى الأبحاث والتطوير مردوده مجزٍ، وأن الشركة التى كانت تنشر مقاطع مصورة فى «يوتيوب» قبل أقل من 10 سنوات لتعليم المستهلكين كيفية نطق اسمها، أصبحت الآن المهيمنة على صناعات الاتصالات فى العالم. الشرق الأوسط لندن