طوابير المصريين والمصريات على أبواب معرض الكتاب، فى موقعه الجديد، وإقبالهم بهذه الأعداد، ثم امتثالهم للقواعد المنظمة، ،وتهافتهم على نوعية من النشر الذى تقدمه الدولة مدعوما، هذا الرصد دلالته اكبر من المعرض، وقيمة استقرائه منصفة لهذا الشعب الذى تحمل ويتحمل والذى ما إن يجد سياقا جادا وغاية واضحة، حتى يخرج أفضل ما فيه. الاتساع والنظام والنظافة تليق بهذا الشعب، وكان يستحقها منذ مدى بعيد، معرض للمعرفة عمره نصف قرن. ذهبت الى المعرض، ثانى يوم الافتتاح مباشرة.. تعمدت ذلك سعيا وراء استقصاء لرد فعل الناس، الذين تشكك البعض فى قبولهم تغيير المكان، ووفق ما كنت اقرؤه من تعليقات، سابقة على الافتتاح لم يكن الأمر يحمل مؤشرات إيجابية.. تكاثر الكلام المحبط، من انتقادات لفكرة تغيير موقع المعرض، وما سوف يستتبع ذلك من إحجام الناس عن الذهاب.. الى آخره.. صحيح ان الدولة نشرت فى كل مكان عن إسهامها بخطوط مواصلات تكاد تغطى القاهرة تماما، لكن سادت على وسائط التواصل استشرافات عن مدى تجاوب الناس لم تكن مشجعة.. والله أعلم بالنيات.. ذهبت إلى المعرض فى اول يوم تم فتحه للجمهور، لم اكن اتصور مهما يشطح بى الخيال، أن أرى طوابير المصريين والمصريات، على شبابيك التذاكر يمكن ان تصل الى هذا المدي!... كان اللافت هو امتثال الناس لجميع الإجراءات الخاصة بالتأمين سواء تلك التى يتم اجراؤها على البوابات الرئيسية أو نفس الإجراءات التى تتم عند الدخول إلى سرايات العرض. تذمر بعض الإعلاميين، وانتقدوا الإجراءات، وامتثل الناس! الأسر بصغارها وكبارها تقف فى الطوابير، أطفال فى عربات، أمهات وآباء يحملون ابناء فوق الظهور.. فعلا هذه شهادة للشعب وللدولة معا.. لم يكن حتى اكثر الناس تفاؤلا يمكن ان يتوقع هذه الموجات البشرية، التى ملأت قاعات العرض والندوات والأهم التى أقبلت على الشراء. كان المشهد الذى لأجله توقفت ساعات، يجرى عند المساحة التى احتلها قطاع الثقافة الجماهيرية، ونافذة بيع كتبه.. الزحام ونفاد المعروض لعناوين جادة ومحترمة.. لم يكن الموظفون فى القطاع يجدون وقتا لفك حزم الشهنامة وكتب رفاعة الطهطاوى والمجموعة القيمة حول ثورة 1919. نحو تسعة عناوين تدور حول هذه الثورة. هنا المكان الوحيد الذى يمكن ان تشترى منه كتابا محترما بسعر اقل من سعر سندوتش.. كتاب بأقل من عشرة جنيهات ومجموعة رفاعة بسبعة وعشرين جنيها! بمائة جنيه تقتنى نواة مكتبة حقيقية علمت من دكتور أحمد عواض المسئول عن القطاع ومعه مسئول النشر، أن الموقع الإلكترونى لقطاع الثقافة الجماهيرية، والذى تم تحديثه قد لعب دورا فى تعريف الناس حتى قبل مجيئهم بالعناوين الجديدة، علاوة على الاسعار. نفاد العناوين الجادة يؤكد أن شيوع الكتابة الخفيفة لدى النشر الخاص، وتسويق الركيك بحجة ان هذا ما يطلبه الناس، ليس كل الحقيقة، وأنه ليس صحيحا اننا شعب لا يقرأ، وإن قرأ، عزف عن الجاد من الموضوعات..هنا الامر لا يتعلق فقط بالدور الذى لابد أن تلعبه الدولة فى دعمها المعرفة، ولكن إدراك أهمية أن يذهب هذا الدعم إلى الفكر او المعرفة التى نحتاجها..نموذج النشر فى قطاع الثقافة الجماهيرية دعم يصل الى مستحقيه، ومن وجهة نظرى لا يقل أهمية عن دعم رغيف الخبز، وضرورة استمراره، يحتمها الواقع الذى نجابهه، سواء فى مقاومة الإرهاب او بناء الوعي، فالحقيقة أن الجوهر الاساسي، لكل ما نعانيه، هو جوهر ثقافى وأن الحقيقة الأكبر، التى على الدولة ان توليها قدرها من العناية، أن الثقافة ليست ترفا، و لا كمالة وأنها العنصر الذى ينبغى ان يتخلل ويذاب بوعى فى الإعلام. استقراء إقبال الناس على معرض الكتاب، بعد انتقاله وسعيهم ربما يقود الى مسئولية استثمار هذه القابلية وإحياء منافذ الدولة المنوط بها المسرح والسينما والموسيقي، وإعادة المكون الثقافى الى شاشة التليفزيون، الذى بصورته الحالية يكاد يخاصم الفنون والثقافة الأصيلة، بعد أن بات يدور فى فلك الركاكة بجدارة يحسد عليها.على الدولة ان تستقرئ مشهد الناس فى معرض الكتاب بوعي، وأن تستقرئ أيضا وفى نفس السياق موقفها أو نظرتها، هى إلى الثقافة، فربما كان هناك ما يستحق المراجعة. لمزيد من مقالات ◀ ماجدة الجندى