فى مصر أشخاص مبدعون رسموا ملامح هذا البلد وتاريخ حياة سكانه، دون أن يحصلوا على نصيبهم من الاعتراف بالفضل، حدث ذلك فى تاريخ مصر الطويل ولا يزال يحدث وسيحدث غدا طالما بقى فى مصر بناء يقام ومصنع يدور وزرع يتمايل وعشاق للحياة والعمار، سماهم تراثنا الشعبى الحلوانية، وهم البشر الذين يجعلون حياتنا حلوة، وتغنى بعطائهم على الحجار: اللى بنى مصر كان فى الأصل حلوانى.. وسماهم الكاتب الموهوب عمر طاهر الصنايعية، فكتب عنهم فى ملحق الجمعة بالأهرام سلسلة مقالات بدأت فى أغسطس عام 2016، قبل أن يجمعهم فى كتاب أنيق كنت أنتظر قراءة كل يوم أحد بحكم إشرافى على الملحق فى ذلك الوقت لأستمتع وأختبر قدرتى على التفتيش فى النيات التى تعمد الكاتب الألعبان إخفاءها بين الجمل والكلمات بأسلوبه الساحر المتمرس فى الكتابة المشاغبة، بقدر ما أسعدنى دأب عمر طاهر وصبره بحثا عن كتاب أو معلومة أو سيرة أو اقتفاء أثر صنايعى بقدر ما أحزننى حين أشهر إفلاسه وقال إن الصنايعية صاروا عملة نادرة، كتب عمر عن الشبراويشى صنايعى كلونيا ال 555 ، وخريستو صنايعى الشوكولاتة، وسيد ياسين ملك الزجاج، والمستكاوى صنايعى الرياضة، وصدقى سليمان صنايعى السد العالى وعبد الباسط صنايعى التلاوة وعن صنايعية الست أم كلثوم! وكلما جاء 25 يناير لابد أن أتذكر ملاحم الشرطة المصرية، حضورها مواجهة المحتل 1950 بقيادة فؤاد سراج الدين وغيابها فى 2011 بفعل فاعل أوقعها فى فتنة مع جماهير الكرة فى 2012، ومن يومها وملعب الكرة خراب أمن وشرطة بلا جماهير، فلماذا لا نجرب الآن جماهير بلا أمن، جربها من قبل اللواء أحمد رشدى وزير الداخلية الأسبق أول من أثبت أن الشرطة فى خدمة الشعب، أطلق عليه عمر طاهر صنايعى الانضباط، خاض ثلاث حروب فى وقت واحد، حرب الانضباط وحرب الفساد وحرب المخدرات، خاضها بنجاح ساحق، فى الحرب الأولى فكر بعقل عالم الاجتماع، اختبر قدرة المصريين على تنظيم أنفسهم فقرر إقامة مباراة فى استاد القاهرة دون أى وجود لقوات الأمن، بعد ربع ساعة اندلعت الحروب بين القبائل، اكتشف الناس بأنفسهم أن جندى الشرطة لا يمكن الاستغناء عنه ولابد من خطة حازمة للتمرن على الانضباط واعتياد السلوك السوى، فرض على القيادات الكبيرة أن توجد فى الشارع وتتعامل مع الجماهير بنفسها، وتحول القرار إلى عرف فشعر الناس بأن الشرطة فى خدمة الشعب، فتعامل المواطن مع الرتب الكبيرة أسرع الطرق للحل والشعور بالكرامة الإنسانية، كانت خطوة رشدى التالية تحصيل غرامات فورية من المشاه قبل المركبات، شملت المخالفات الإطلاق العشوائى للكلاكسات والعبور من غير الأماكن المحددة وملاحقة الموظف المزوغ، لأول مرة يفرض على المواطن أن يجيب عن سؤال من شرطى: هل أنت موظف؟ وأين تصريح نزولك من العمل؟..ويتم إبلاغ جهة عمله وبعد أن يشرب الشاى والقهوة بالقسم يتم تسليم المزوغين بمندوب، اكتشف رشدى أن ما يعالجه فى الشارع هو العَرَض وليس المرض، وأن الأساس لأى دولة تبنى نفسها هو انضباط المصانع والشركات والمؤسسات ودواوين المصالح، ووجهت الحالة التى خلقها رشدى بامتعاض القيادات من وقفة الشارع، تحولت الحالة الى صداع غذته مافيا الكيف بالباطنية، كانت طوابير «قرش الكيف» تنافس طوابير الزيت والخبز والفراخ، سيطر الفزع على البيوت خوفا على فلزات الأكباد من الإدمان، دبر رشدى مذبحة القلعة للإيقاع بالمرشدين والمخبرين والناضورجية، دعاهم الى حفل بالداخلية توزع فيه الهدايا، وفى أثناء الحفل باغتت قوات الأمن حوارى الباطنية بالسلاح والكلاب والكلبشات، كان الانتصار عظيما والضربة موجعة، لكن بقى الفساد والرشى شوكة فى حلق الوزير، كان عبد الخالق المحجوب متهما رئيسيا فى صفقة ِرشَاوى البزنس، بينما كان شقيقه الدكتور رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب يخوض معارك فى مواجهة فساد الخصخصة، بعد نجاح الداخلية فى القبض على عبد الخالق وأمثاله اندلعت فتنة الأمن المركزى فى فبراير 1986 بسبب إشاعة عن مد فترة التجنيد إلى 4 سنوات، فقرر الوزير الصنايعى أن يتجه إلى المعسكر الرئيسى بالطريق الصحراوى بنفسه، ليسيطر على الوضع، كان الطريق مقطوعا فنزل من سيارته وأكمل المسافة ماشيا على الأقدام واجه الرصاص والحجارة بثقة فى طهارة أولاده رجال الأمن، أصيب بواحدة منها فكانت إصابته أهون من اشتعال الفتنة فى الوطن، لكن إذا عرف السبب بطل العجب، فقد أدت هذه الفتنة إلى استقالة الوزير النظيف، فى شبابه أراد أهله أن يدخل كلية الطب فدخل كلية الشرطة عشقا لرسالة ضابط الأمن، رحمة الله على رجل الأمن حبيب الناس لواء الانضباط أحمد رشدى. لمزيد من مقالات أنور عبد اللطيف