بالتأكيد فإن توجيهات الرئيس السيسى بطلاء واجهات المبانى تستهدف استعادة المظهر الحضارى لمصر وإعادة الشكل الجمالى والنسق الحضارى لهذه المبانى والعقارات بمختلف المحافظات بما ينعكس على صورة مصر الإجمالية، بدلا من تلك المبانى القبيحة المتناثرة فى مناطق مختلفة بواجهاتها على الطوب الأحمر، وهو ما يظهرها بصورة غير حضارية لتعيد مظهر العشوائيات التى بدأنا فى التخلص منها. غير أن استرداد وجه القاهرة الحضارى لا يتوقف فقط عند طلاء واجهات المنازل على الرغم من أن الواقع يشير إلى أن هناك ملاحظات عدة تتعلق بتنفيذ هذه التوجيهات التى ستضيف بالتأكيد أعباء جديدة على كاهل المواطن الذى نسب إليه السيسى البطولة المطلقة لتحمله فاتورة الإصلاح الإجتماعي، وعانى الكثير دون أن يتذمر وذلك فى أول منشور له فى العام الجديد، عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك. وربما تكون أولى هذه الملاحظات أن معظم المبانى التى تستهدفها هذه المبادرة تقع فى مناطق فقيرة لن يتحمل سكانها فاتورة طلائها التى ستكلفهم الآلاف من الجنيهات , إضافة إلى أن هذه المنازل قد أقيمت فى ظل الفوضى الأمنية التى سادت بعد 25 يناير 2011 إما على أرض تمتلكها الدولة وإما على أراض زراعية جرى تبويرها أملا فى تحقيق مكسب للبعض .. فهل جرت محاسبة هؤلاء البعض على تلك الجريمة التى اقترفوها فى حق الوطن؟!. ومن جانب آخر فإن المهلة التى حددها وزير التنمية المحلية للانتهاء من طلاء واجهات كل المبانى حتى 31 مارس المقبل وفقا لتأكيدات رئيس مجلس الوزراء، الدكتور مصطفى مدبولى غير كافية تماما باعتبار أن أعدادها تتجاوز الملايين وهو ما سيعرض أصحابها إلى إجراءات قانونية ضدهم إلى جانب عقاب سكانها بقطع جميع المرافق من مياه وكهرباء عنهم دون أى ذنب فيما ارتكبه صاحب العقار إذ كان كل ذنبهم لم يتجاوز البحث عن 4 جدران تسترهم. على كل فإنه لم يتم حتى الآن تحديد الآلية المناسبة لتنفيذ هذه التوجيهات إذ كشف اللواء محمود شعراوى وزير التنمية المحلية عن أنه سيتم خلال الأيام المقبلة عقد اجتماع بمقر الوزارة مع مسئولى كليات الفنون الجميلة وجهاز التنسيق الحضارى لتحديد واختيار الألوان المقترحة لطلاء وتشطيب واجهات المبانى والعقارات بالأحياء والمدن بالمحافظات، وسيتم التنسيق مع المحافظين فى عملية التنفيذ وهو ما سيؤثر بالتأكيد على مدة هذه المهلة التى جرى تحديدها إلى جانب أنه إذا كان سيتم تحديد لون موحد لمبانى كل منطقة ، بدلًا من هذا المشهد غير الحضارى فماذا عن مصير المبانى التى التزمت وجرى طلاؤها من قبل, فهل سيستوجب على أصحابها أو اتحاد ملاكها إعادة طلاؤها من جديد أم ستترك على حالها لتضيف تشوها إضافيا للمشهد العام؟!. وفيما يتعلق بالوحدات السكنية التى أقامتها الدولة لتسكين مواطنى العشوائيات التى جرى تصفيتها فهل سيعاد طلاؤها من جديد إذا ما جرى إقرار لون آخر لمبانى المنطقة التى تقع فيها أم ستترك على حالها كما هي!. ويبقى سؤال آخر هل سيتم الاكتفاء بطلاء واجهات المنازل التى تطل على الطرق الرئيسية أم سيمتد هذا الأمر إلى العقارات المقامة فى الشوارع الداخلية لتك المناطق، إذ إن رئيس الجهاز القومى للتنسيق الحضارى المصري، محمد أبو سعدة، كشف عن أن طلاء العقارات السكنية بلون موحد سيبدأ فى العاصمة المصرية القاهرة بالأماكن السياحية حتى تكون واجهة حضارية مشرفة وأن المرحلة الأولى ستبدأ بالطريق المؤدى للمتحف المصرى الكبير غرب القاهرة، إضافة إلى جميع المنازل الموجودة على جانبى الطريق الدائرى . وإذا كان الهدف من هذا الإجراء هو إزالة التشوهات ومصادر التلوث التى أصبحت تطل علينا فى جميع المناطق فهل سيقتصر هذا الأمر على مجرد تشطيب العقارات والمبانى دون أن يمتد إلى محاسبة أجهزة ومرافق النظافة فى مختلف المحافظات التى أهملت فى رفع أكوام القمامة المنتشرة فى معظم شوارع وأحياء مصر - بما فيها ما كان يطلق عليها مناطق راقية إلى درجة أنها أصبحت من معالم الطرق التى يستدل بها المواطن على محل سكنه ..! المنطق المقبول فى هذا الشأن هو إلزام كل أصحاب العقارات فى المجتمعات العمرانية الجديدة وغيرها مما هى تحت الإنشاء بتنفيذ هذا التكليف بعد إقرار اللون المتفق عليه لكل محافظة أو منطقة وعدم الترخيص بمد مرافق الكهرباء والمياه والصرف الصحى إلا بعد تشطيب ودهان الواجهات الخاصة بالعقار مع تشديد المتابعة من جانب كل الأجهزة المحلية لتنفيذ هذا الأمر و إلزام جميع رؤساء الأحياء والمراكز والمدن والإدارات الهندسية بالتنسيق مع اتحادات الشاغلين للمبانى والعقارات المسجلة لديهم للاتفاق على اسلوب مقبول لهذا التكليف دون إرهاق المواطنين بالمزيد من الأعباء المالية التى هم فى غنى عنها. لا أحد بالتأكيد يرفض أن تعود شوارع مصر إلى مظهرها الحضارى المشرف والذى لا يزال عالقا بأذهان المواطنين الذين عايشوه فى سنوات الخمسينيات وما قبلها والذى تدهشنا مشاهده عند عرض أفلام الزمن الجميل!. لمزيد من مقالات عبد العظيم درويش