أذكر أننا كنا فى زيارة لمكتبة الكونجرس الأمريكى وسألت ماهى أهم المراكز البحثية فى مصر التى تحظى باحترام مؤسسة الكونجرس فقالوا دون تردد مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية وتحدثت باستحياء شديد عن محاولة قناة النيل الثقافية التى شرفت بتأسيسها فى إنشاء مركز للدراسات الثقافية . وحكيت لهم عن بعض إصداراته مثل رأس المال الثقافى وبنية العقل الأمريكى فابتسم الدكتور فوزى تادرس المصرى الأصل وأحد مسئولى المكتبة وقال.. الكتاب موجود عندنا.. فاندهشت. ثم فهمت أن مكتبة الكونجرس تقتنى كل ما ينشر من دراسات عن أمريكا فى أى مكان فى العالم.. جدير بالذكر أنه يوجد 7600 مركز تفكير فى العالم حسب دراسة جامعة بنسلفانيا وفى أمريكا وحدها 1828 مركزا للتفكير والبحوث والدراسات فى مجال دعم القرار السياسى والأمنى والعسكرى والاقتصادى والاجتماعى .. مهمتها هى رصد المعلومات وتحليلها وتقديم سيناريوهات مستقبلية.. ومعظمها يتعاون مع إسرائيل التى لديها 17 مركزا وتقوم بأبحاث فى غاية الأهمية وتفتح خطوط اتصال دائمة مع أعضاء الكونجرس الأمريكى وترسل لهم الدراسات والملفات بشكل دورى طامعة فى تبنيهم سياسات تل أبيب ودعمها باستمرار. فماذا عندنا نحن فى مصر؟ عندنا مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار..ومراكز دراسات فى الجامعات آخرها معهد جديد فى الزقازيق متخصص فى الدراسات الإسرائيلية ومعهد التخطيط والمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية وبعض المبادرات الشخصية مثل التجربة الناجحة كمركز بصيرة حاليا. السؤال هنا هل يستفيد أصحاب القرار من مثل هذه المراكز وهل يمكن للباحثين فيها أن يكون لهم دور فى صناعة السياسات؟. لاتتوافر معلومات دقيقة حول هذا الموضوع ولكن على المستوى الدولى تمثل هذه المراكز إحدى المرجعيات المهمة لدوائر الحكم. نعم فعلى سبيل المثال المفكر الأمريكى (برنارد لويس) كان الرأس المدبر فى خطط إدارة بوش لصناعة شرق أوسط جديد واختراع إستراتيجيات الحرب على الإرهاب وإعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية، وإعادة احتلال المنطقة لمصلحة إسرائيل..ومنها أفكاره حول تقسيم السودان وفصل النوبة وتفكيك ليبيا والجزائر والمغرب بهدف إقامة دويلة البربر ودويلة البوليساريو وتفكيك العراق على أسس عرقية.نعود إلى مصر ونتساءل عدة أسئلة مشروعة أولا كيف يمكن استنفار مراكزنا البحثية للمساهمة فى توفير دراسات وسيناريوهات مستقبلية تساعد فى حل الأزمات السياسية الخطيرة . ثانيا .. هل أبحاث الجامعات المصرية مربوطة بخطط التنمية بكل نواحيها الاقتصادية والاجتماعية. ثالثا.. هل هناك شبكة ربط مصرية للمراكز المحلية والعربية تربط بينها فى إطار التعاون والتنسيق وتبادل الرؤي؟ مراكز اتخاذ القرار هى فى النهاية كيانات آمنة يلتقى فيها الأكاديميون والخبراء لمناقشة المسائل الإستراتيجية. إن خطر مستودعات التفكير الأجنبية علينا كبير جدا حين تنفرد بالتخطيط ووضع تصورات حول شرق أوسط افتراضى يتم بناؤه على الفوضى الخلاقة وعلى هوى المصالح الأجنبية الاستعمارية لابديل أمامنا عن الإيمان بأن وجود مستودعات تفكير مصرية قوية هو حماية للأمن القومى المصري. وخط دفاع قوى ضد محاولات فرض سيناريوهات التقسيم ونهب ثروات الشعوب. كما أن نزيف العقول خطر أكبر فعندما تستقطب مراكز التفكير الأمريكية خيرة العقول المصرية وتفرغ كل أفكارها ورؤاها.. فذلك بالتأكيد ليس فى مصلحة البلاد.. مسألة أخرى وهى أن مستودعات التفكير بالوكالة وتكليف مراكز عالمية أجنبية بتقديم استشارات طوال الوقت يمثل نقط ضعف فى ركن ركين من أركان الدولة. لمزيد من مقالات د. جمال الشاعر