الجريمة .. الفساد .. الهجرة .. 3 كلمات تصنع كابوسا مزعجا يطارد أى دولة ويستهدف استقرار أى نظام .. وتغرق المكسيك كأبرز دول أمريكا اللاتينية فى أكبر «نوَّة» عنيفة تتناوب موجاتها منذ سنوات على الوضع فى الداخل وتنعكس بدورها على أمن الحدود مع الولاياتالمتحدة. ومن توابعها تهديد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بقطع المساعدات عن الدول التى تفشل فى وقف الهجرة غير الشرعية، على هامش تنصيب رئيس المكسيك الجديد أندريس مانويل لوبيز أوبرادور فى ديسمبر الماضى. ويواجه أوبرادور شتاء قارس البرودة تجتاحه ملفات معقدة بينما آلاف المهاجرين الفارين من الفقر والعنف فى أمريكا الوسطى ينتظرون ك «قنابل موقوتة» فى أراضى المكسيك انتظارا للبت فى طلبات اللجوء إلى أمريكا وطبقا لشروطها وتعليماتها المجحفة. وأدى أوبرادور (65 عاما)، اليمين الدستورية رئيساً للمكسيك متعهداً بوضع نهاية ل «النخبة الجشعة» فى بلد يصارع الفساد والفقر المزمن وعنف العصابات، واستهل حكمه بالاستغناء عن طائرة كبيرة فاخرة، كانت تنقل الرئيس السابق إنريكى بينيا نييتو حول العالم، وبلغت قيمتها 218 مليون دولار، فضلا عن طرح 60 طائرة حكومية للبيع، علاوة على 70 طائرة هليكوبتر، ونظر البعض إلى هذه البادرة باعتبارها «خطوة تطهير أولي» من الرئيس الجديد للتخلص من رموز البذخ. وحاول أوبرادور طمأنة قطاع الأعمال فى المكسيك بعد تراجع الأسواق منذ الانتخابات التى جرت فى يوليو 2018، مؤكدا أن الاستثمارات فى بلاده ستكون آمنة وتعهد باحترام استقلال البنك المركزي، بالإضافة إلى وعده بزيادة رواتب الفقراء من ناحية، ورفع الدين العام والضرائب تزامنا مع وقف نزيف خسائر الخزانة العامة الناجمة عن الفساد. وتتفرغ المكسيك تحت وطأة الظروف الصعبة لجولات «نوَّات الداخل»، خصوصا مع تقرير مؤشر الشفافية العالمى الذى كشف احتلال المكسيك المرتبة ال 135 من بين 180 دولة الأكثر فسادا فى العالم، فضلا عن أنها تعد من أسوأ الدول فى أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبى استنادا إلى التقييم الذى أجرته منظمة التعاون والتنمية فى الميدان الاقتصادى، ومن ثم تصاعدت النداءات الدولية بسرعة التحقيق فى قضايا الفساد والتربح واستغلال النفوذ التى تراكمت على المكسيك وأنهكت اقتصادها وشعبها. وإزاء ارتفاع معدلات الجريمة والعنف فى شوارع المكسيك، طغت الظاهرة على حملة الرئيس الجديد الانتخابية والتى اغتيل خلالها أكثر من 150 سياسيا بينهم عدد من المرشحين، علما بأن المجموعات الإجرامية تقاتل من أجل السيطرة على زراعة الخشخاش للأفيون وشبكات توزيع الهيروين، الأمر الذى استدعى التلويح بورقة الجيش والرهان على كفاءة القوات المسلحة لمكافحة الجريمة المنظمة، ثم تأهيل الشرطة المحلية واستئصال المسئولين الفاسدين المتحالفين مع «مافيا» العصابات. ويتبقى أمام النظام الجديد فى المكسيك شبح الهجرة بتداعياته الدولية التى تشكل دافعا محركا لسياسة أوبرادور والإسراع فى خططه بإقامة منطقة اقتصادية خاصة منخفضة الضرائب على حدود المكسيك الشمالية للعمل ك «ستار أخير» لإقناع المكسيكيين بالعمل داخل بلادهم، رغبة منه فى قطع الطريق على عقوبات الحرب التجارية مع واشنطن وتجريد سلاح «جدار ترامب» الحدودى من قوته. ولجأ أوبرادور لتحجيم مخاطر هذا الملف إلى اتفاق اقتصادى ثلاثى مع ترامب ورئيس الوزراء الكندى جاستن ترودو، بشأن تعزيز التنمية فى أمريكا الوسطى والمكسيك وإلقاء ورقة «نافتا» فى سلة المهملات، استنادا إلى أن الولاياتالمتحدة أكبر شركاء المكسيك التجاريين ومن العبث التضحية بها، وتحديدا بعد تكرار انتقادات الرئيس الأمريكى للمكسيك بضعف التعاطى مع المهاجرين غير الشرعيين العابرين للحدود. وقد تهدأ العاصفة مؤقتا فى المكسيك أمام «حلول» رئيسها الجديد، غير أن «النوة» الكبرى تتغير طبيعتها المتقلبة من موسم لآخر، مما يقتضى الحذر والحيطة فى دولة عاشت على الفساد والجريمة عهودا، وفتحت الباب لموجات المهاجرين، فيزداد الوضع سوءا .. وتحدياً.