عادت شركة «بلاك ووتر» الأمريكية السيئة السمعة لتطل بوجهها القبيح على الشرق الأوسط ، بعد أن ألمح مؤسسها إريك برنس خلال الأيام الماضية إلى إمكانية استبدال القوات الأمريكية فى سوريا بجنود مرتزقة من متعهدى الشركة المتخصصة فى الخدمات العسكرية الخاصة بما يضمن حماية حلفاء الولاياتالمتحدة فى سوريا والتصدى للنفوذ الإيرانى بعد رحيل القوات الأمريكية من البلاد. ويرتبط اسم «بلاك ووتر» الذى تغير منذ عام 2011 ليصبح « أكاديمي» فى أذهان العالم والعرب على وجه الخصوص بالجريمة البشعة التى ارتكبتها فى العراق عام 2007 عندما قتل 4 من عناصر الشركة 14 مدنيا عراقيا فى ساحة النسور ببغداد . وفى عام 2014، أدين 3 رجال منهم بتهمة القتل غير العمد باستخدام أسلحة نارية، فيما أدين الرابع بتهمة القتل العمد. واليوم، تلوح فى الأفق عدة إشارات على احتمالية أن تعود الولاياتالمتحدة لاستخدام إحدى أدواتها القديمة وهى «بلاك ووتر» لخصخصة الحروب الأمريكية فى الشرق الأوسط وتحديدا فى سورياوأفغانستان، بما يتوافق مع سياسية الرئيس دونالد ترامب، التى تقوم على إنهاء الحروب المكلفة «الأبدية» وفى الوقت ذاته ترك بعض الحماية الامريكية فى المنطقة لمحاربة الإرهاب وحماية الحلفاء.. أولى هذه الإشارات بالتأكيد هى تصريحات ضابط البحرية الأمريكى السابق إريك برنس مؤسس بلاك ووتر، التى قال خلالها إن التاريخ الأمريكى شهد العديد من حالات الشراكة بين القطاع العام والخاص، حيث يمكن للقطاع الخاص أن يملأ الفراغ عوضا عن الحضور العسكرى الباهظ الثمن. وكانت مجلة «ريكويل» الأمريكية المتخصصة فى الأسلحة قد نشرت إعلانا لشركة «بلاك ووتر» يقول : «نحن قادمون!» وذلك بعد يومين فقط من إعلان ترامب فى ديسمبر الماضى عن سحب القوات الأمريكية. واعتبر بعض المحللين نشر الإعلان فى هذا التوقيت محاولة لتمهيد عودة تعاون الشركة مع الجيش الأمريكي. وكان اقتراح برنس لاستبدال القوات الأمريكية فى سوريا بمتعهدين عسكريين قد سبقه اقتراح للقيام بالأمر نفسه فى أفغانستان. فقد كشفت صحيفة» نيويورك تايمز» الأمريكية عن أن برنس عرض عام 2017 خطة على إدارة ترامب لإرسال 6 آلاف من الجنود المرتزقة إلى أفغانستان. ولكن المستشارين العسكريين لترامب رفضوا الخطة فى ذلك الوقت، وقدم برنس خطته مجددا لإدارة ترامب فى أغسطس 2018 ولكن وزير الدفاع الأمريكى جيمس ماتيس رفضها قائلا: «عندما يضع الأمريكيون مصداقية دولتهم على المحك فإن الخصخصة ليست على الأرجح فكرة سديدة». ولكن اليوم ومع استقالة ماتيس المعارض الرئيسى لفكرة توظيف الشركات الخاصة لتنفيذ مهام قتالية فى الخارج، قد يفتح ذلك المجال أمام قبول ترامب لخطة برنس لعودة بلاك ووتر ومثيلاتها إلى مناطق الصراع. الأهم من ذلك كله هو أن مؤسس بلاك ووتر لديه علاقات قوية مع ترامب، فقد تبرع برنس بمبلغ يقدر ب 250 ألف دولار للحملة الرئاسية لترامب عام 2016.. كما يوصف برنس فى بعض الدوائر الامريكية بأنه المستشار غير الرسمى لترامب، بل إن برنس نفسه دخل ضمن دائرة رجال ترامب الذين تم استجوابهم فى التحقيقات حول مزاعم التدخل الروسى فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية. وجاء استجواب برنس على خلفية لقاء سرى جمعه بأحد المقربين من الرئيس الروسى فلاديمير بوتين خلال اجتماع دولى فى سيشيل فى 11 يناير 2017، وسط اتهامات بأن يكون هدف اللقاء هو الإعداد لإنشاء قناة اتصال بين موسكو والرئيس ترامب، ولكنها اتهامات نفاها برنس مؤكدا أنه التقى المسئول الروسى بالمصادفة وتحاور معه فى التجارة والإرهاب. كل ما سبق يشير إلى أن احتمالات تكرار تجربة بلاك ووتر السوداء فى المنطقة أصبحت أقرب من أى وقت مضى.