بدون تهويل أو تهوين فمن المؤكد أن زيارة الرئيس محمد مرسي إلي كل من الصين وإيران تعيدا التوازن المفقود الذي خلفه النظام البائد في علاقات مصر الإقليمية سياسيا واقتصاديا ويمثلا بداية مطلوبة لتأسيس علاقات خارجية متوازنة قائمة علي الشراكة وتبادل المصالح مع كل القوي السياسية الكبرى. سواء دوليا الولاياتالمتحدةالأمريكية وروسيا أو دول الاتحاد الأوروبي والصين التي كانت المحطة الثانية للرئيس في رحلاته الخارجية ، وإقليميا مثل السعودية التي كانت أولي المحطات وإيران المحطة الثالثة وأيضا تركيا ، وهي خطوات تمثل تمهيدا لعودة مصر إلي مكانتها الإقليمية والدولية للانطلاق نحو التقدم والنهضة ، والقائم علي الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة وعدم التدخل في الشئون الداخلية . فجاءت زيارة الصين بوصفها عملاقا اقتصاديا لم نحاول الاستفادة الاقتصادية منه ماضيا أو من تجاربه التي نجح في تجاوزها ونحن نمر بها مثل البطالة وازدواج النظام الاقتصادي بين الرأسمالية والاشتراكية والحاجة إلي استثمارات كبري لدفع عجلة الاقتصاد وعمل مشروعات كبري تنقل مصر إلي مصاف الدول المتقدمة ، فنحن في أشد الحاجة مستقبلا للتوجه شرقا خاصة دول شرق أوروبا والدول الآسيوية لأن الشراكة معها في مجالات المشاريع الصغيرة والمتوسطة تساهم في النهوض بالاقتصاد وتشغيل الشباب ، فالزيارة حققت هدفا اقتصاديا باستقطاب أكبر نسبة من الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة وزيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين ، وإنجازا بتقديم منحة صينية لا ترد وبلا شروط بقيمة 70 مليون دولار وقرض بقيمة 200 مليون دولار موجهة لتنفيذ مشروعات تنموية في مصر ، وتقديم 300 سيارة للشرطة المصرية ، وتوقيع اتفاقيات بين رجال الأعمال المصريين المرافقين للرئيس مع نظرائهم الصينيون تجاوزت 4.8 مليار دولار ، كما حملت الزيارة رسالتين هامتين الأولي بالتأثير المباشر لدور الصين والداعمة لبقاء النظام السوري ، والأخرى تخص ملف حوض النيل وقناة السويس وتأثير سياسة بناء السدود في إثيوبيا التي كانت الصين تعتزم بناءها علي حوض النيل بعد حصول مرسي علي وعد من الرئيس الصيني بعدم قيام الصين بفعل يضير بمصلحة مصر فيما يتعلق بهذين الملفين لأهميتهما الاستراتيجية لمصر . وجاء حضور الرئيس قمة دول عدم الانحياز في طهران ليؤكد خروج المارد المصري بعد الثورة من الجمود في العلاقات المصرية – الإيرانية المقطوعة منذ أكثر من 30 عاما ، وتعتبر أول زيارة لرئيس مصري لإيران منذ قيام الثورة الخومينية عام 1979 ولاختلاف الرؤى بيننا حول بعض المسائل السياسية وقطع العلاقات لموقف مصر المؤيد للشاه محمد رضا بهلوي واستضافته حتى وفاته ودفنه في مصر ، والذي ما كان يمنع من وجود علاقات اقتصادية أو تجارية أو علمية مثل الاستفادة من استخدامات الطاقة النووية السلمية وبناء المفاعل والذي كان يمكن أن يسهل بناء المحطة المصرية النووية المزمع إنشائها في أرض الضبعة "الصحراء القاحلة والمهددة " ، فنجد مثلا دول الخليج التي تختلف مع إيران وتمثل لها تهديدا سياسيا لم يمنع أن يكون التبادل الاقتصادي والتجاري كبيرا بينهما ، وإن كان هدف الزيارة "5ساعات" محدد بمشاركة الرئيس في الجلسة الافتتاحية للقمة وتسليمه رئاسة الحركة للرئيس نجاد ، ولكن هي زيارة بين أقوي قويتين إقليميتين بما يحقق صالح البلدين خاصة والمنطقة عاما ، ومثلا علي ذلك مسبقا اقتراح الرئيس مرسي في القمة الإسلامية بمكة بتشكيل لجنة رباعية لحل الأزمة في سوريا من مصر والسعودية وتركيا وإيران ولقي ترحيبا من الجانب الإيراني لأنه راعي تمثيل إيران اللاعب الرئيسي في الساحة السورية ،وتأكيده علي ذلك في كلمته أمام القمة وحق السوريين في حكم ديمقراطي يقرره الشعب وانتقال سلمي للسلطة ورغم انسحاب الوفد السوري، وتأكيده علي أن أمن الخليج خط أحمر لأنه من أمن مصر مما خفف من مخاوف الدول الخليجية من التقارب المصري الإيراني ، وعدم التدخل في الشئون الداخلية بين جميع الدول في المنطقة ، جعل العالم يجمع أن أهم ما مميز قمة عدم الانحياز هو كلمة الرئيس المصري مما يعيد لمصر ثقلها ودورها التاريخي في المنطقة ، بالإضافة إلي الاستثمارات والسياحة الإيرانية يمكن أن تمثل رافدا مهما لدعم الاقتصاد بعد تفعيل تشغيل خط الطيران بين القاهرةوطهران الذي تم في 2010 لعدم وجود الإرادة السياسية سابقا .. زيارتين لم يستغرقا ساعات محدودة حققا ما لم يكن ممكنا لانطلاق مصر الجديدة والجمهورية الثانية واستعادة دورها الريادي إقليميا ودوليا ، وذلك بفضل ثورة 25 يناير فتحية واجبة وتعظيم سلام لصناع الثورة وشهداءها الأبرار .