وسط كم لا فائدة منه من الفيديوهات التى تصلنى يوميا من خلال شبكة التواصل الاجتماعى عثرت عليه!! .. فيديو لمحاضرة تدعى كريستين بوراث متخصصة فى علوم الإدارة تتحدث فيه عن النتائج المرعبة، التى كشفتها عدة دراسات ميدانية عن حجم الخسائر المعنوية والمادية التى يتسبب فيها عدم الاحترام وفظاظة التعامل، بدءا من الاستهزاء والتقليل من شأن الآخر وإطلاق النكات والعبارات المهينة وصولا لإحراج المتحدث فى الاجتماعات والندوات. ولقد كشفت دراستها لتأثير السلوكيات السابق ذكرها عن الأداء انخفاضه بنسبة 66%و إهدار 80% من الوقت فى القلق وتدبر ما حدث وتخلى 12% عن عملهم، لتقدر شركة سيسكو الأمريكية الخسائر الناجمة عن السلوك غير المهذب ب 12 مليون دولار سنويا!! وحاشا لله أن أقارن النتائج التى توصلت إليها الباحثة الأمريكية بمجتمعاتنا الآن خاصة بعد تعرضها لأزمات أدت لتغييب شفرات ثقافية، ظهرت تداعياتها فى التنكر لآداب التعامل باعتبارها حيلة العاجز واعتبار الفظاظة والسخرية والتطاول اللفظى والسلوكيات المذمومة، «روشنة» ومسايرة لعصر لا مكان فيه إلا لغليظ القلب وفظ اللسان !!.. ورغم أننا فى سياق حالة السيولة المجتمعية التى تعرضنا لها والضغوط التى يتعرض لها الشباب غضضنا الطرف عن كثير من الظواهر السلبية واعتبرناها صغائر، أو«طق حنك» كما يقول أشقاؤنا فى الشام، لا تستحق أن نتوقف أمامها كثيرا، فإن تكبير الدماغ أو «الدى» كما يقول الشباب بات يهدد بتداعيات كارثية بعد أن تحولت هذه السلوكيات لحالة منظرة تنذر بإفشاء الجهل وإهدار معايير البحث العلمي. فرغم أن السؤال والمناقشة الحرة وعدم قبول المسلمات إلا بعد تفكير وتدبر، حق أصيل للجميع، بغض النظر عن المرحلة العمرية للمتحدث أو المتلقى سواء فى قاعات الدرس أو المحافل والندوات العامة، فإنه من الملاحظ فى الفترة الأخيرة تكرار ظاهرة القيام بمداخلات لا علاقة لها بموضوع الباحث أو الطعن فيما قاله، بأسلوب مستفز دون أى سند علمي!!، ربما من قبيل الظهور وإثبات ذات حائرة فقدت البوصلة، فتلاشى الخيط الرفيع الذى يفرق بين حرية التفكير والمناقشة والنقد العلمى وبين فوضى التعبير والتطاول وعدم احترام الآخر أيا ما كانت مكانته أو قيمته فى تخصصه العلمى. والمؤسف أن هذه الممارسات المتكررة التى شهدت بعضا منها مؤخرا فى جلسات مؤتمر ثقافى دولى فى حضور مجموعة من الباحثين العرب والتى لا يمكن وصفها بالمداخلات أو النقاش الحر والاجتهاد العلمى لتأصيل مفهوم ما أو تأكيد أو نفى معلومة، لا تضر فقط بسمعة باحثينا وتشكك فى قدراتهم ومكانتهم العلمية أمام الحضور سواء أكانوا مصريين أم من دول شقيقة أو أجانب، لكنها أيضا تضرب فى مقتل مصداقية لجان تقييم البحوث العلمية. ورغم أننى لست من هواة الترويج لشعار الحفاظ على سمعة مصر، ذلك أن مصر ومكانتها لا يمكن أن يكونا على المحك بسبب سلوكيات معيبة أو تطاول الباحثين عن الشهرة والأضواء، إلا أننى فى هذه الحالة تحديدا أظن أن عمليات تشكيك بعض من يحملون نفس جنسية الباحث فى أوراق بحثية تم قبولها فى مؤتمر علمي، بصورة جارحة لأسباب شخصية أو لغرض فى نفس يعقوب!!، أمر له تداعياته الخطيرة فى هذا الوقت تحديدا الذى نشهد فيه عمليات منظمة لزعزعة الثقة فى الدرجات العلمية التى تمنحها معاهدنا ومؤسساتنا العلمية، وبالتبعية فى أساتذة مصر وتاريخهم الطويل فى الدول الشقيقة. ولأن علاج مشكلة حب الظهور أو تصور أن القمة مدببة لا تسع إلا واحدا وبالتالى يجب تسفيه الآخرين، ولأن تنمية قدرات المناقشة العلمية والعمل الجماعى تتطلب إرساء ثقافة جديدة تحترم حق الأستاذ والمتلقى أينما التقيا، أمور تتطلب وقتا وجهدا أظن أنه لا بديل الآن عن وضع معايير علمية واضحة للجميع لقبول الأبحاث فى مؤتمراتنا وضوابط للمداخلات، حفاظا على حق الباحث والحضور والعلم نفسه. لمزيد من مقالات سناء صليحة