بالتزامن مع افتتاح الملتقى الدولى السادس للرواية العربية بالقاهرة انتقد روائى كبير إقامة المؤتمر على خلفية الاوضاع الاقتصادية التى تمر بها مصر.. ويبدو أن كلمات كاتبنا الكبير- الذى أعتذر عن ذكر اسمه صراحة حيث إن توقيت تسليم المقال حال بينى وبين التأكد منه شخصيا عن نص التصريح وما بين سطوره - نكأت جراحا كثيرة لتشتعل الساحة الثقافية بضجيج، من المؤسف أنه مازال بلا طحين !! فما بين مؤمنين بجدوى إقامة المؤتمرات الدولية فى المحروسة وآخرين تناسوا مواقفهم السابقة من مؤتمرات وزارة الثقافة لمشاركتهم فى هذه الدورة وبين منتقدين لأنه فى سياق القوائم السابقة التحضير تم إغفالهم كالعادة، غابت القضية الأساسية التى فجرها تصريح الروائى الكبير!! .. فكاتبنا الكبير الذى أكن له احتراما لمواقفه المهنية ولعطائه الثقافى وخصوصية إبداعه الأدبي، تفجر التصريحات المنسوبة إليه أكثر من قضية وتطرح كما لا حصر له من الاسئلة التى أظن أن العثور على اجاباتها كفيل بان يحدد أسس ومنهج ادارة المنظومة الثقافية المصرية، وبالتبعية استعادة مكانتها وهوية وملامح المصرى أفندي. فالدفع بالأوضاع الاقتصادية كمبرر للمطالبة بإلغاء ملتقى دولى كرمت مصر من خلاله قامات أدبية (الكاتب السعودى عبدالرحمن منيف وصنع الله إبراهيم - وإن رفض تسلم الجائزة - والكاتب السودانى الطيب صالح والكاتب المصرى إدوار الخراط والكاتب الليبى إبراهيم الكونى فى دورة 2010) ويتيح هو وغيره من المؤتمرات للمبدعين المصريين باختلاف أجيالهم فرصة التواصل مع كتاب عرب وأجانب والتعرف على الثقافات المختلفة أمر يثير الدهشة خاصة إذا جاء على لسان الكتاب والمثقفين!!.. كذلك فإن الدفع بقلة عدد الحضور فى الجلسات والتوجس من عودة الشللية واستحواذ فئة بعينها على المشهد الثقافى وتوظيف تلك المبررات تحت كلاشيه «أن المؤتمرات لم تصنع مجد مصر الثقافى» أمور تستحق المناقشة.. (وقبل أن استطرد فى مداخلتى لابد أن أنوه أننى لم أشارك قط فى أى من الاحتفاليات الثقافية الرسمية إلا كمستمعة، بحكم المهنة والهواية..) فبغض النظر عن سوء توقيت التصريحات التى تزامنت مع افتتاح ملتقى دولى توقف خمس سنوات ومع وصول ضيوف من بلدان عربية وغربية يكنون لكاتبنا الكبير احتراما وتقديرا، أظن أن التعلل بالأوضاع الاقتصادية كمبرر للمطالبة بإلغاء الملتقى وغيره من التجمعات الثقافية على أرض الكنانة يتجاهل أن الغالبية العظمى من المصريين المهتمين بالثقافة الرفيعة، التى باتت عزيزة المنال، ومن يتوقون للتعرف على الثقافات المختلفة ولا تتاح لهم فرصة حضور المؤتمرات بالخارج، تُعد هذه الاحتفاليات الثقافية النافذة الوحيدة المتاحة لهم للإطلال على العالم ومتابعة الجديد فى عالم الفن والأدب. كذلك فإن الاحالة للبعد الاقتصادى يضعنا أمام معادلة صعبة، فالعمل الثقافى أشبه بالصناعة الثقيلة التى لا تدر ربحا عاجلا، فالإنسان هو العائد المرجو منها وبالتالى فمن العبث التعامل معها بمنطق سلعة يتجاوز ربحها المالى ما تم انفاقه عليها..!! وهنا تتداعى للذاكرة أحداث انتفض فيها استاذنا الكبير وآخرون للتصدى لمحاولات التعامل مع ثقافتنا وتراثنا بمنطق السلعة.. فمن ينسى مشروع تحويل منطقة باب العزب الاثرية لمنطقة استثمارية ومحاولة بناء مول تجارى فى الحرم المطل على القلعة والتصدى لجولات القطع الأثرية النادرة بالخارج أو تأجيرها و..و.. علما بأن كل ما سبق كان يمكن أن يُضخ ملايين العملات الأجنبية والمحلية..!! وفيما يخص السلبيات التى ساقها البعض - ولا أنكرها - والتوجس من «الشللية»، فلا أظن أن الإلغاء هو الحل الأمثل وإلا هدمنا منظومة الدولة بالكامل.. فقواعد ادارة أى عمل تؤكد أن الاسس السليمة كفيلة بتلافى السلبيات وتفعيل الإيجابيات التى كان من أهمها فى الملتقى الاخير استعادة لأسماء غابت عن الذاكرة فى لهاثنا اليومى وتقديمهم لشباب أقلتهم حافلة جهاز رعاية الشباب بإحدى الجامعات الاقليمية، فأخذوا يبحثون عن مؤلفات فتحى غانم وعنايات الزيات ونعمات البحيرى ومحمد ناجى فى معرض أُقيم على هامش الاحتفالية.. عفوا أساتذتى وزملائي، لكننى أتصور أن مجد مصر الثقافى وشخصيتها كانا محصلة لتواصلها مع كل الثقافات على مر العصور وأن استعادتهما وعودة المصرى افندي، ولو كنا نواجه ازمة اقتصادية، أهم وأكبر من أى إنفاق على النشاط الثقافى وأقل من تكلفة مقاومة الإرهاب وتعريف القاصى و الدانى أن مصر، رغم كل شيء لا تزال باقية.. لمزيد من مقالات سناء صليحة