تلال من ساندوتشات الهامبرجر كانت فى انتظار أعضاء فريق «كلمسون تايجر» لكرة القدم، عندما دعاهم الرئيس دونالد ترامب مطلع هذا الأسبوع للعشاء تقديرا لفوزهم. وكان المصورون الصحفيون قد سبقوا الزائرين فى الدخول إلى صالة الطعام والتقاط عشرات الصور لمائدة الطعام التى شملت ألف ساندوتش وملحقاته، فى ظرف ساعة واحدة فقط التهم الرياضيون الساندوتشات بسرعة خاطفة. وفى لحظات، غزت صور هذه المأدبة وسائل التواصل الاجتماعي. وكانت الرسالة أن رئيس البلاد شخصيا يتحمل تبعات الإغلاق الجزئى للحكومة الأمريكية الذى ترتب عليه أن عددا من العاملين فى مطبخ البيت الأبيض توقفوا عن العمل، مما اضطر ترامب لأن يدفع من ماله الخاص تكلفة عشاء أفراد الفريق الزائر. كان من المفترض أن تسهم الواقعة فى كسب مزيد من التأييد لترامب الذى قرر الإغلاق الجزئى للحكومة الفيدرالية. أراد ترامب بهذا الإجراء الضغط على أعضاء مجلس النواب من الديمقراطيين للموافقة على الميزانية اللازمة لتمويل بناء جدار على الحدود الجنوبية للبلاد لتأمينها من موجات الهجرة غير الشرعية. فى مطلع الأسبوع الحالي، دخل هذا الإغلاق رسميا التاريخ كأطول فترة يتوقف خلالها موظفو الحكومة الفيدرالية عن الذهاب إلى أعمالهم والحصول بالتالى على رواتبهم. وبينما يؤثر الإغلاق على حوالى 800 ألف موظف، لايزال 420 ألفا منهم مطالبون بالذهاب للعمل بدون أجر، نظرا لحيوية المرافق التى يعملون بها، على أن يتم صرف رواتبهم بعد انتهاء الإغلاق. ورغم أن تكلفة بناء هذا الجدار لاتتعدى واحدا من 10% من الميزانية الفيدرالية، فإن الديمقراطيين لايبدون حتى الآن رغبة فى إقرار الميزانية. ويبدو الأمر لكثير من المراقبين مناورة سياسية، فاستمرار الإغلاق يمثل تهديدا للأمن القومي، ويعطل مصالح المواطنين ويزيد من الغضب والاستياء العام، لاسيما بين الموظفين المنقطعين عن العمل. وبالتالى فعواقب استمرار الإغلاق تنال من الرئيس ترامب وقد تؤثر على فرصه فى انتخابات الرئاسة القادمة فى 2020. ويلاحظ البعض أن تعامل الديمقراطيين فى هذه الأزمة يعكس أسلوب السياسية المحنكة نانسى بيلوسى فى الضغط على الجمهوريين. فقد اتبعت النهج ذاته مع الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش عندما فاز بفترة رئاسة ثانية فى 2004، وعاد إلى واشنطن أكثر ثقة فى نفسه. فقد أراد بوش أن يجيز قانون خصخصة الضمان الاجتماعي. تلخصت استراتيجيته فى محورين هما إقناع الرأى العام بأن هناك أزمة بهذا الخصوص، ثم إقناع الديمقراطيين بأن يقدموا مقترحاتهم لحل هذه الأزمة. أما استراتيجية بيلوسى التى كانت رئيسة الأقلية بالمجلس، فاعتمدت أيضا على محورين هما إنكار وجود أزمة وعدم تقديم أى مقترحات. فقد أدركت بيلوسى أن تقديم مقترحات قد يؤدى إلى انقسام فى الرأى داخل كتلة الديمقراطيين ويساعد الرئيس فى تحقيق مكسب سياسي، بما يزيد من شعبية الجمهوريين. وقد ساهمت استراتيجية بيلوسى حينها فى تهيئة المجال لفوز الديمقراطيين بأغلبية المجلس فى 2006. علما بأن الديمقراطيين كانوا فى السابق يؤيدون فكرة خصخصة الضمان الاجتماعي. اليوم، تتصرف بيلوسى بالاستراتيجية ذاتها فى التعامل مع الجدار الحدودى الذى كان الديمقراطيون أيضا من مؤيديه، قبل أن يضعه ترامب فى مقدمة وعوده الانتخابية فى 2016. تراجع ترامب عن قرار إغلاق الحكومة وعن وعده ببناء الجدار سيغضب مؤيديه من اليمينيين، بل قد يعنى نهاية فعاليته كرئيس للبلاد، وهذا فى النهاية هو الهدف الأهم الذى تسعى بيلوسى لتحقيقه رغم أزمة موظفى الحكومة الفيدرالية المتعطلين عن العمل.