كان الزميل عارف سعد الدين نموذجا في الخلق الرفيع والادب الجم, والتفاني والاخلاص, غير ان مشكلته انه لم يكن يجيد التعبير عن نفسه وغير متفرغ للقيل والقال والاحاديث المكتبية وتسويق نفسه هنا وهناك. كان من اكثر الزملاء إلماما بالتقدم التكنولوجي في مجال التصوير والطباعة والالكترونيات, ولم يبخل علي احد من الزملاء بالمشورة والخبرة حتي تحول مكتبه إلي خلية نحل طوال ساعات العمل, ولن انسي يوم ان اتصلت به في مشورة في هذا الاطار وظل مع ابنتي الطالبة بالثانوي ساعات حتي شرح لها ما تريد ولم تفارق الابتسامة وجهه. رحم الله الزميل عارف سعد الدين الذي تعرض للظلم في حياته وعوضه الله خيرا في الآخرة التي هي خير وابقي. محمد جمال أبوزيد في أثناء سير قطار الحياة ثم وقوفه في محطات يهبط فيها من إنتهت رحلته ليمضي القطار مستكملا مشواره, تبقي بعد ذلك سيرة من إنتهت رحلتهم من أشخاص كانوا يعيشون بيننا ملء العقل والقلب والوجدان, نسترجع سيرتهم لنتعلم ونتعظ ونترحم عليهم. من هؤلاء صديقي وزميلي عارف سعدالدين ذلك الانسان الذي عرفته لسنوات طويلة, فهو ممن تشعر معهم من أول لحظة باحساس الاطمئنان والأمل في أن الدنيا لازالت بخير. أحيانا وفي زحام الحياة لايعي الانسان المعني الكامل لكلمة الفراق إلا عند غياب انسان عزيز اجتمعت فيه خصال الود والمحبة والتعاون مع الجميع, كان مدهشا في أخلاقه وتعاملاته مع كل الزملاء بقدر ما كان نموذجا للبساطة والتواضع والكرم والتفاني في خدمة الجميع. أحمد مسعود كان عارف سعد الدين فياضا بكرم أخلاقه وحسن معاونته لأصدقائه وظل زميلا عزيزا كالشجرة التي تظلل أصحابها بالخير ووجها بشوشا وكريما في علاقاته. لمس الجميع أن مكتبه بمثابة مكتب الجميع. وكان مقرا طيبا نجلس فيه ويكرمنا بكرم ضيافته لنا. تعودت كلما دخلت الأهرام أن امر وأسلم عليه ولم أفكر يوما أنني سافتقده أبدا. وكنت كلما وجدت باب مكتبه مغلقا سألت عنه لأعرف أين هو ولماذا مكتبه مغلقا؟ وقد تخرجت علي يديه أجيال وكان عالما بدنيا التصوير والإلكترونيات, ولديه خبرة واسعة ودراية كافية في هذا المجال, ظلل بها علي كل من عرفه وطوعها لخدمة زملائه. كانت خدماته لنا في فن التصوير دون مقابل. ولم يكتف كرمه علي حد معين فقد أحبه كل من عرفه وتعامل معه أكدت العديد من الأحداث التي مر بها الأهرام أنه كان دءوبا علي العمل والتفاني والنشاط بكل ود وتسامح. وساعد الكثبر من زملائه في أمور شخصية مهمة وتفاني في خدمتهم ولم يقتصر حبه للخير علي شخص بعينه, حيث توسع في حبه للخير للكثيرين. عبدالمجيد الشوادفي غاب بجسده وكيانه من أمام ناظريه من زملاء وأصدقاء ومحبين.. لم يغب عن ذاكرة وتخيل كل من هؤلاء جميعا بخلقه وتعامله ومودته التي لم تقتصر ولم تختلف ما بين شخص وآخر, فلقد كان الجميع عنده متساوون في الترحيب والتحية والتقدير وطيب المجاملة, ولقد كان للراحل الكريم من اسمه كل النصيب, فكان بالفعل عارفا لكل ما يخطر وما لم يخطر علي بال أحد, خاصة في مجال تكنولوجيا الكمبيوتر ومستلزماته وأساليب التعامل في كل ما يحيط بما في داخل هذا المصباح السحري. وكان الزميل عارفا بالفعل لكل ما من شأنه الإساءة في محتويات البشر التي أودعوها أمانة داخل صندوق الأسرار.. وكنت أحد الذين عاملهم في انهاء مشكلة فيروس أصاب الفلاشة التي تخصني وزاد من كرم اخلاقه وحسن معاملاته اضافة تحمل تكاليفها دون قبول الشكر.. طيب الله ثري الزميل الراحل وعوضنا رؤيته بوجود ابنه زميلا عزيزا. حسين الزناتي كان ينظر إلي دنيانا من علياء ومضات إحساسه الدائم بأنه سيلاقي ربه قريبا لينظر إلي دنيانا الزائفة من هناك وعلي وجهه نفس الإبتسامة البريئة الطفولية التي كانت تخرج من فاهه لحظات صفائه معي, مهددا لي أنني لو لم أشرب الشاي غصب عني سيبلغ الحكومة فورا! أشعر أنه معي الآن ينظر إلي ويقول لي هل تتذكر هذا الكيبورد الذي تكتب رثائي من عليه: إنه نفسه الذي أعددته لك ووضعت حروفه العربية عليه, وهل تتذكربرامج هذا الجهاز الذي تحمله الآن, كم أتعبتني في تحميلها.. أراه يقول لي: ياصديقي أنا لاأخاف لقاء الله لأنه كان وسيبقي دائما هوالأرحم بي, والأقرب إلي نفسي من كل الدنيا وماعليها, أما أنت فمن سيصلح لك جهازك.. ومن يلقاك بإبتسامتك التي تفتح لك الأبواب يوم الثلاثاء لتقول لي عندكم صفحة النهاردة محمد صابرين قليل هم الذين يشعرون بالرضا, فليس خافيا أن الرضا لمن يرضي!. ولايدرك الرضا إلا العارفون بدروب الطريق إلي الله, وهذا الطريق طويل وصعب. ويحتاج إلي مجاهدة النفس, وهي لعمري أصعب الأمور. إلا أن عارف سعد الدين عرف الطريق, وتصالح مع النفس, وأدرك أن الأمور كلها إلي زوال, فزهد فيما بأيدي الناس, وانشغل عنهم برب العباد, وها هو يترجل ليترك لنا هذه الحياة نصارع فيها جريا وراء السراب, ونغفل أن النهاية أقرب مما نظن, وأن الحقيقة الوحيدة في الحياة وهي الموت لاترسل إيميل أو فاكس أو حتي اشارات, بل تأتي دوما دون إنذار أو توقع, ويختطف الموت منا أعز الأحباب, وينتزع من عالمنا أهل الرضا والبسمة والتصالح مع الذات والدنيا والناس.. ويترك لنا غابة قاسية تموج بالقسوة والحقد والغدر إلا من رحم ربي. فوداعا أهل الرضا, وهنيئا لكم بلقاء الله. . سعاد طنطاوي إذا كان لأحد أن يوصف بالفروسية في التصوير الصحفي فيكون الأستاذ عارف سعدالدين, وإذا كان لأحد أن يوصف بمكارم الأخلاق فليكن عارف سعد الدين, وإذا كان لأحد أن يوصف بالنبوغ والتفوق في عالم الكمبيوتر والانترنت فإنه ذلك الفارس الذي لم يحبس علمه قط عن كل سائل, وإذا أعددت وأعددت له من مناقب وحسنات فإني لا أستطيع حصرها لا أنا ولا رفاقي في المهنة, فقد عرفنا مكتب عارف بالأهرام مفتوحا دائما لكل قاص ودان, نتعلم من خبراته ونستفيد من خدماته بلا مقابل. لكن ما أستطيع حصره هو ذلك اليوم الذي دخلت فيه من باب الأهرام يخبرني أستاذنا الجليل عبدالهادي تمام بنبأ وفاته إثر حادث أليم وإصابة زوجته وكأن الخبر وقع علي كالصاعقة, لقد أصر علي مصافحتي يوم الخميس الماضي ولكني لم أدر أنه يودعني والنور علي وجهه والابتسامة علي شفاه التي دائما ما تخرج حلو الكلام, عندما أشكره علي صنيع فعله معي بكلمة أعزك الله يا أختي. سارة حسين فتح الله من الصعب أن تقابل مثل الاستاذ عارف في حياتك مرتين. فما أن يلقاك إلا وتجد ابتسامة عريضة ترتسم علي وجهه الاسمر البشوش. منتهي التواضع والكرم والادب الجم مع كل من يتعامل معه من الزملاء في الاهرام. الكل يقصد مكتبه ما أن يواجه مشكلة في استخدام الكمبيوتر آو الكاميرا الشخصية, وعلي الرغم من انشغاله الدائم بعمله كرئيس لقسم التصوير فإنه دائما مايجد وقتا لاصلاح مشكلات زملائه التكنولوجية بكل حب. ماأتذكره للأستاذ عارف هو احتضانه لي بعد وفاة والدي وصديقه الحميم فكان دائم الحديث عنه وعن ذكريات الجامعة. وبين الحين والاخر يستدعيني لأنه وجد صورة لأبي في مكتبه. وظل حريصا علي جمع كل الصور التي جمعته مع ابي حتي وقت قريب وفي كل مرة اجده يبتسم كعادته ويسألني( ايه رأيك؟). فقدتك الاهرام يا استاذ عارف وفقدت انا( ابا) آخر دائم السؤال عن حالي. المزيد من مقالات عبدالمحسن سلامة