بحيرات قد تذهب عقول الناظرين بجمالها كقطعة من جنات خلقها الله فى مصر ، تراها على أرض سيوة، تلك الواحة الهادئة التى يخفى مظهر البحيرات الرائع بها كارثة حقيقية، فتلك الواحة التى تحمل فى باطنها كنوزا غابت قدرة البشر على استغلالها لانشغالهم بكارثة تهددهم هى مياه الصرف الزراعى والتى أصبحت تهدد المنازل بالغرق، فقد تضاعفت مساحة بحيرات الصرف وتسربت ملوحة التربة لأكثر من 3 آلاف فدان ماتت بسبب زيادة مياه الصرف، ناهيك عما فقدناه من نخيل سيوة الذى ذهب ضحية الصرف الزراعي. فى بداية جولتنا بالواحة لرصد الواقع استقبلنا المهندس حمزة منصور مقرر اللجنة الدائمة للصرف والرى الزراعى فى سيوة الذى وجه الشكر للرئيس عبد الفتاح السيسي لتبنيه فكرة حل أزمة مشكلة الصرف الزراعى فى سيوة، وقدر مدى خطورتها ووضعها ضمن أولوياته، ونتيجة لذلك تضاعفت الأعمال الخاصة كبداية لحل المشكلة، مضيفاً »إننا اجتمعنا مع السكرتير العام لمحافظة مطروح، حيث شكل المحافظ لجنة من مديرى مديريات الرى والزراعة والبحوث الزراعية وجامعة الإسكندرية برئاسة السكرتير العام كبداية لحل المشكلة والوقوف على أسبابها، وبناء عليه خرجت توصيات كثيرة وخاصة أننا حددنا أسباب المشكلة، حيث يتركز الصرف الزراعى فى منطقتين فقط بركة سيوة، وبركة بهى الدين فى القطاع الغربي، بينما لا توجد مشكلة فى شرق الواحة، بل توجد بها ندرة بالمياه. لافتا إلى أن الآثار المترتبة على هذه الأزمة تتمثل فى تطبل الأراضى الزراعية، وقلة إنتاج المحاصيل وجفاف الكثير من الأشجار وتهديد كثير من المنازل بالغرق ودخول المياه ووصولها إلى الشوارع الرئيسية مما يعوق الحركة فيها. وأضاف إلى أن أسباب المشكلة فى بركة بهى الدين زيادة منسوب مياه الصرف بالبركة بسبب استصلاح أراضى الكثبان الرملية فوق البركة بمنطقة الغزلان، وزيادة حفر الآبار دون ترشيد، إضافة إلى زيادة المياه فى العيون الرومانية بعد حفر آبار أخرى بجوارها مما أدى إلى زيادة المياه واختلاطها فى باطن الأرض، لافتاً إلى أنه يمكن إغلاق هذه البئر لأنها محكمة، بينما لا يتم غلق البئر الرومانية، الأمر الذى يؤدى إلى نزول المياه إلى البركة، إلى جانب ظهور عيون طبيعية مردومة وغير محددة الأماكن وتظهر أثناء استصلاح الأراضي، مضيفاً أن البئر العميقة بقرية بهى الدين يحتاج إلى إنشاء خزانات كبيرة وتحويل ملكية البئر العميقة من جهاز التعمير إلى وزارة الرى لعمل الصيانة اللازمة والاستفادة من خدمات الري. حلول وأشار المهندس حمزة منصور إلى أنه تم طرح عدد من الحلول للقضاء على هذه المشكلة كإقامة محطات على المصارف ذات الملوحة المنخفضة للاستفادة منها فى رى الأراضى الواقعة بجوار المصارف، وتحويل مسار مصرف »الشحايم« من اتجاه الغرب إلى الشرق حتى يصل إلى مصرف «الإذاعة»، وذلك لزيادة كميات المياه المطلوبة لمزارع أراضى «الكاف» و«الأمهات» و«تاتررت»، إلى جانب إنشاء مصرف فى اتجاه الجنوب من أجل الاستفادة من الأراضي غير المستغلة، وإنشاء مصرف يبدأ من منطقة «بنى بير» متجها إلى الشرق، وذلك لشق ترعة تصل إلى أراضى القبائل شرقا، وإنشاء خزانات لتجميع المياه مع خلطها ببئر «العميق» بالمنطقة، حتى يتم الاستفادة منها فى زراعة نحو (15) ألف فدان. ومن جانبه أوضح المهندس أحمد عبد النبى مسئول الرى أن الوزارة تعمل جاهدة على حل المشكلة، حيث أنشأت آبارا عميقة وزارية بجوار الآبار المالحة وإعادة المياه للزراعة، كما تم عمل خزانات كبيرة لتوفير المياه التى تتدفق من الآبار الرومانية ليلاّ، كما تم تغيير نظام الري، من المساقى إلى استخدام المواسير بشكل جزئي، ووزارة الرى تعمل هذا العام على إنشاء خط بطول 7 كيلو مترات من المواسير لاستبدال نظام الرى . وبدوره أوضح محمد عمران جيرى المتحدث الإعلامى لمدينة سيوة أن مساحة بحيرات الصرف الزراعى فى سيوة تبلغ حوالى 47 ألف فدان، حيث تبلغ مساحة بركة سيوة 7700 فدان، بينما تبلغ مساحة بحيرة «المراقى» 3000 فدان، وتبلغ مساحة بركة «واغورمى»19300فدان، كما تبلغ مساحة بحيرة «أبو شروف» 17600 فدان، مشيرا إلى أن بحيرتى سيوة والمراقى (بهى الدين) يرتفع منسوبهما وخاصة أن منسوب الصرف مرتفع جدا فى اتجاه غرب، مما يهدد المنازل والزراعات بالغرق، نظرا لأن المياه ترتفع بشكل رأسى وهو ما يسبب جفاف الأشجار وتملح الآبار عاما بعد الآخر.. ومشكلة الصرف الزراعى وتطورها بسيوة واختلال التوازن الطبيعى ترجع إلى طبيعة المكان،لانها عبارة عن منخفض طبيعي مغلق ويحدها من الشمال هضبة صخرية متصلة بارتفاع متوسط، ومن الجنوب سلسلة كثبان رملية، والنشاط الزراعي محصور بينه هذين الارتفاعين إضافة إلى أن طريقة الري في الزراعة بها تعتمد على الغمر من العيون الطبيعية، مما يترتب عليه وجود كميات زائدة من المياه بعد الرى تتجه إلى المصارف في مناطق منخفضة نسبيا عن الأرض الزراعية، مكونة بذلك 4 برك صرف. آبار بديلة وأضاف أن الدولة ممثلة فى وزارة الرى حاولت التدخل لحل المشكلة فمنذ عام 1997 قامت الوزارة بالتحكم فى الآبار العشوائية وحفر آبار بديلة، كما قامت بتطهير المصارف الرئيسية والحقلية لدى المزارعين، «وتدبيش» المصارف وعمل محطات رفع مياه من المصارف الرئيسية إلى برك الصرف، وألزمت الوزارة جميع مشروعات الاستثمار الزراعى باستخدام وسائل الرى الحديثة (كشرط تعاقدي) بالتنسيق بين وزارة الرى ومحافظة مطروح ، وتم تحويل نظام الرى بالغمر تدريجيا إلى نظم حديثة فى المناطق التى يمكن تطبيق هذه النظم بها فى الأراضى الرملية. الحلول المقترحة وحول الحلول المقترحة قال انها تكمن فى إعادة تدوير المياه واستخدامها، حيث أن معظم المياه بالمصارف المتجهة إلى برك الصرف من مصدرين (المياه الزائدة بعد الرى ومياه العيون الرومانية غير المتحكم بها ، وكذلك الرشح الأفقى للآبار السطحية المتواجد منها حتى تاريخه ) ، إضافة إلى الاتزان المائى وهو تبخير مياه المصارف الرئيسية باستخدام العدسات المجمعة لأشعة الشمس حيث يتم تركيب مجموعة من العدسات بطول نحو نصف كم إلى كيلو على المصارف الرئيسية لتبخير المياه حيث تصل درجة الحرارة المتوقعة حسب نوعية العدسات المستخدمة من 700 درجة مئوية إلى 1500 درجة مئوية ويمكن تكثيف تلك المياه المتبخرة واستخدامها مباشرة فى الرى أو بعد خلطها بمياه الرى حسب كل منطقة وهذه التقنية تحت التجربة، علاوة على سحب مياه البرك إلى منخفضات خارج الواحة فى حالة وجود مياه زائدة يصعب إعادة استخدامها فى أى زراعات، حيث يمكن سحب المياه إلى هذا المنخفض بعد عمل محطات رفع فى منطقة تيميرة المرتفعة فى مسار الطريق . الآبار الرومانية ويشرح المهندس مصطفى منصور أحد أهالى سيوة أن الزراعة فى سيوة كانت تعتمد على الرى بالمياه الجوفية وكان هناك 3 أشكال للآبار أبرزهاالآبار الرومانية وكانت سائدة فى السبعينات وكانت نحو 220 عينا، وكانت العين الواحدة تروى أكثر من 250 فدانا مثل عين الجوبة وكان يتبع نظام متقن لتوزيع عملية الرى بنظام المناوبة وحتى هذا الوقت كانت الواحة لا يوجد بها مشكلة صرف زراعى ولكن مع بداية السبعينات بدا المزارع السيوى يحفر آبارا سطحية وكانت تتدفق منها المياه التى ترفع ذاتيا بعملية تعرف بال «فوار» من عمق 10 أمتار وأكثر، وكان كل مزارع يفضل أن تكون هناك بئر خاص به، ومن هذا الفكر كثرت هذه العيون وبدأت تظهر مشكلة الصرف الزراعى. العشوائية بينما يؤكد الشيخ فتحى الكيلانى شيخ قبيلة »الظناين«أن سيوة تعانى مشكلة الصرف منذ فترة طويلة وقد ماتت آلاف الأفدنة من جراء مياه الصرف الزراعى وتسببت فى هدر الكثير من النخيل وأراضى الزيتون، وذلك بسبب عدد الآبار العشوائية الكبيرة للمياه الجوفية التى تم حفرها دون تخطيط وزادت أكثر من المطلوب وتملحت تلك الآبار بعد ذلك نتيجة كثرتها وارتداد مياه الصرف لها من جراء البحيرات التى ترمى وتستقبل هذه المياه. أما عمران فتحى فاقترح غلق الآبار العشوائية وإعادة استخدام مياه الصرف الزراعى فى الزراعة بالمناطق التى لا تصل إليها المياه، لأن المياه عندما تصل إلى البحيرة تتملح فلا يمكن استخدامها فى الزراعة مرة أخرى إلا بعد معالجتها.