كتب: د.مصطفي عبد الغني المشترك الثقافي هو ما يجب ان نعمل به_ وله_ من أجل الخلاص من الواقع الثقافي الرديء الذي نعيش فيه.. أتحدث أيها السادة عن الخلاص من هذا الواقع الذي يشهد أزمات عربية متلاحقة. تنعكس لدينا ليس في الواقع السياسي المضطرب أو الاقتصادي الغريب وإنما_ قبل هذا وبعده- في الواقع الثقافي الذي نعيش فيه ونعاني منه جميعا.. وهذا الواقع الثقافي ينحصر في عديد من الأسباب رغم ما يردد من آن لآخر في صحفنا وإعلامنا البائس وبعض برامجنا التعليمية من عناصر الوحدة الثقافية فيه من اللغة, والمصالح المشتركة, والتاريخ, والمصير المشترك الواحد.. إلي غير ذلك مما يردده مثقفونا وإعلامنا.. لقد بدا واضحا أن ظواهر هذه الأزمة الثقافية تتخذ أشكالا متباينة في المؤتمرات والندوات والإعلام المقروء والقنوات الفضائية والشبكات الاجتماعية التي هي أداة المشاركة الجماهيرية, فثقافة الويب أو الثقافة الرقمية, كما يسميها البعض, ثقافة جماعية بحكم طبيعتها ونشأتها وتطورها.. إلي غير ذلك وربما كان أهم الظواهر التي بدت أخيرا تعكس هذه الأزمة تصاعد أصداء الدعوة إلي قمة ثقافية عربية.. ثم تحددت في إعلان مؤتمر_ مثل القمة التي دعا إليها الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب ومؤسسة الفكر العربي برئاسة الأمير خالد الفيصل.. ثم كان تحديدها أكثر فيما أقرته القمة العربية الأخيرة في مدينة سرت الليبية.. وما زال بين أيدينا أصداء مؤتمر الثقافة العربية في الندوة التي عقدت في قطر أخيرا.. وانتقلت الأصداء بين سرت الليبية والرياض السعودية والدوحة القطرية قبل أن تعود إلي القاهرة في الدعوة التي تعلو من آن لآخر إلي عقد مؤتمر للمثقفين.. هذا كله يحدث من زمن بعيد, فمازال الواقع العربي يعاني هذا التشرذم والغربة في الواقع الثقافي خاصة, في حين تعلو الأصوات وتعدو الصيحات لمؤتمر أو لقاء دون أن ينتهي الأمر بعمل ايجابي واحد.. ودون أن يتنبه أحد إلي بدهية العمل الايجابي التي يجب أن تتمثل في الوعي المشترك للأخطار التي تمر بها المنطقة, واقصد هذه الأخطار التي تنعكس في عديد من الظواهر السلبية التي تتعدد ويكفي مثال واحد منها( ما يحدث في القدس علي سبيل المثال) لإعادة النظر بوعي وفعالية لما يجب أن نفعل.. وما يجب أن نفعل_ في رأينا_ هو العودة إلي البحث عن هذا' المشترك الثقافي' بيننا لنبدأ منه إلي خارجه, أقصد هذا المشترك الثقافي الذي تنبه اليه الكثير من مثقفينا, ونضرب مثالا واحدا, في هذا' المشترك الثقافي' عنوان المؤتمر الذي عقد في جامعة القاهرة قبل عدة أعوام بأمينه العام د. وجدي زيد_ والذي كان يمثل البداية الصحيحة لفكرة هذا' المشترك الثقافي' في الاتفاق في هذا' المشترك الإنساني' سواء بين عرب المنطقة أو الآخرين في الخارج, فوجد الجميع قسما مشتركا يجمعهم, واكتشف أبناء هذه الثقافات المختلفة أن كل اللحظات الناجحة في تاريخ الإنسانية لم تحدث إلا عندما اقتربت الشعوب والثقافات من المشترك بينها.. فإذا كان المشترك الثقافي يقرب بين الحضارات فهو يقرب- بالتبعية_ بين أبناء الحضارة الواحدة كالحضارة العربية.. وعلي هذا النحو, يظل البحث عن الخلاص من هذه الفوضي الفكرية والسياسية التي نعيش فيها جميعا هو البحث عن هذا' المشترك الثقافي' الذي يجمع بيننا, نحن, أبناء المنطقة العربية قبل أن نتواصل مع أبناء الحضارات الأخري.. إنها الدعوة علي مستوي المنطقة العربية_ علي سبيل المثال_ إلي' اتخاذ المشترك بين ثقافات الشعوب منطلقا أساسيا للتلاقي, واستبعاد مناقشة الخلافات, وتجاوز أساليب الحوار التقليدية والشائعة'.. وما إلي غير ذلك مما توصل إليه هذا المؤتمر الذي عقد بجامعة القاهرة ولما ينتهي الخلاف بين أقطارنا, بل زاد.. المطلوب إذن_ أيها السادة_ العودة إلي مثل هذا المشترك بيننا, لنعيد النظر إليه في مؤتمر جديد يبحث عن المشترك لا أسباب التنافر, والاقتراب من القضايا الواحدة لا المتباينة.. وقتها, نستطيع أن ننظر إلي الكثير من قضايانا.. ونحاول أن نجيب فيه عن كثير من الأسئلة: -هل نحن في حاجة للبحث عن المشترك الثقافي حين نعود إلي ما يحدث في القدس اليوم؟ -هل نحن في حاجة للبحث عن المشترك الثقافي حين نسعي لفهم قرار إسرائيل الأخير الذي يأمر بطرد أكثر من سبعين ألف فلسطيني من مسقط رأسه واعتباره( متسللا) إن هو حاول أن ينتقل من منطقة إلي أخري في الضفة؟ -هل نحن في حاجة للبحث عن المشترك الثقافي حين نتأمل خطر التشرذم في الطائفية والعرقية والديموجرافية ؟ -ثم هل نحن في حاجة للبحث عن المشترك الثقافي حين نستعيد خطر نصف القرن الأخير من النكبة إلي النكسة إلي الجمود ؟ .. هل نحن.. أيها السادة في حاجة لإعادة النظر إلي النداءات المتوالية لعقد مؤتمر للمثقفين أو عقد قمة ثقافية أو أسبوع ثقافي.. أم العودة لتوصيات المشترك الثقافي بيننا في الفترة الأخيرة؟ هذه دعوة من المنتدي لفتح باب الحوار حول المستقبل.