أعرف عن الطب المصرى الكثير جدا وتزدحم الذاكرة بأهل النبل والعطاء من الأطباء العظام. ويتجاور العظام منهم مع من لايستحق الزمالة مع هؤلاء النبلاء مثل ذلك الطبيب الذى يتقدم منك ليطلب أجرا مبالغا فيه مقابل جراحة بسيطة دون فاتورة بطبيعة الحال؛ او من يدير مستشفى يقال انه استثمارى لكنه يحول حياتك إلى كابوس من فرط عدم الدقة فى اختيار المعالجين واطقم التمريض فضلا عن المغالاة غير المعقولة ولا المقبولة فى فاتورة العلاج . لكن الذاكرة تضع فى المقدمة هؤلاء النبلاء فهى تزدهر ببريق الإتقان بملامح صديق فيلسوف فى دنيا طب الأسنان طارق الشرقاوى الذى اسس اكثر من سبع كليات طب اسنان فى عالمنا العربى ويترأس حاليا طب اسنان جامعة الأهرام الكندية. وكان د. طارق ومازال يصر على ان يكون الخريج قد درس كل الأوجه المتعددة لطب الأسنان بداية بجراحة إصلاح تشوهات الوجه والاسنان مرورا بكل مراحل جراحات الجمجمة. وإذا توقفنا امام تأسيس علوم الرعاية الحرجة لا يمكن تجاهل الجهد النبيل للعلامة شريف مختار الذى نجح فى إقامة اكبر مركز لإنقاذ مرضى القلب وأضاف لهذا الفرع الدقيق كلية معترفا بها عالميا ؛وجعلها تابعة لنقابة الأطباء حتى ينتشر المناخ العلمى بجانب العمل النقابى فيشمل العلم رقعة الخريطة المصرية. وإذا أردنا معرفة ما الذى يجرى داخل الجهاز الهضمى فلنا ان نتوقف امام إبداع مازن نجا مُدخل علم المناظير ببر المحروسة, والذاكرة تحتوى آهات عبدالحليم حافظ حين كان يقوم بحقن دوالى المرىء, تلك العملية التى صارت على يد مازن نجا مجرد عملية بسيطة يجريها اى من تلاميذه فى علم استخدام المناظير ويواصل الإبداع فى تخريج عشرات المواهب مع تقديم الرعاية للمحتاجين, ويكفى ان نعلم جمعه ملايين الجنيهات من أجل توفير حياة مقبولة فى القسم الذى يرعاه والبعثات التى يوفدها للصين على سبيل المثال وهى المتقدمة جدا فى هذا المضمار وليس غريبا عليه تبرعه بكامل راتبه من طب قصر العينى لرعاية الضعاف. ولعل ما قدمه الرئيس عبدالفتاح السيسى بمبادرة الحياة الكريمة مع حملة 100 مليون صحة تذكزنا بأساس تركه فيلسوف امراض التنفس عوض تاج الدين الذى تستضيفه جامعات الولاياتالمتحدة واليابان لينهلوا من فيض علمه, هذا الذى أراد تطوير منظومة الصحة بوجود طبيب الاسرة, وكان هذا حجر اساس تطوير التأمين الصحى الذى شاء عبدالفتاح السيسى ان يجعله منظومة كاملة تشمل تدريجيا ربوع الوطن كله. وآه من امراض الدم التى أقع انا كاتب هذه السطور ضحية لها وكشفت لى عالم الأنيميا المختفية, فهى ليست سرطانا ولكن لها اسبابا مختلفة متعددة لمست بدايتها مع الأستاذة منى القصاص التى تصر على ان تكون عيادتها بقصر العينى الفرنسى وبأجر رمزى لأنها تقدر ظروف المرضى المطلوب منهم تحليلات تحتاج مئات الجنيهات ويتربع على عرش علوم الدم بالمحروسة حسام كامل الذى أدار جامعة القاهرة بإبداع فى نهايات عصر مبارك وأصر على ترشيح نفسه لرئاستها بعد احداث خمسة وعشرين يناير ليفوز بثقة اساتذة الجامعة وليغادرها من بعد ذلك لرعاية امراض الدم المتوحشة التى تفتك بحياة المئات دون علم منهم. وعندما تطوع احدهم بالتشكيك فى الطب المصرى لمع فى رأسى مشهد محمد زغلول كامل مدير الخدمة السرية الأسبق بجهاز المخابرات وهو يسألنى عن إخراج جواز سفر لوالدتى التى عانت امراض الشيخوخة وقال لي: الرئيس عبدالناصر يعلم ظروف عائلتك بحكم جواركم لعائلة والده بالإسكندرية ويمكن علاج الوالدة بلندن، فطلبت منه إبلاغ امتنانى للرئيس جمال عبدالناصر، لأن الطب فى مصر لا يقل عن الطب خارجها، وما يعلمه العلامة ياسين عبدالغفار والعلامة أحمد السيد درويش لا يقل أبدا عن نظرائهما فى لندن ونيويورك. لكن الذاكرة تحمل عنوان كتاب «الطب مريضا» وهو كتاب يحتوى على ما رآه مؤلفوه عما ينقص منظومة الطب فى بلادنا وقد قام بكتابته ثلاثة من أساطين الطب فى المحروسة هم الراحل الحبيب محمد شعلان فيلسوف الطب النفسى ومطوره لا فى مصر فقط ولكن فى عموم انحاء الكون وقد لمست ذلك بنفسى فى اثناء رحلة لليابان وشاركه طارق على حسن احد المؤسسين لطب الغدد الصماء وهو من وضع كتابا عنها فى اواسط الثمانينيات لتطبعه دار ماكميلان العالمية ؛ومازال يدرس بكليات طب إنجلترا وكندا والولاياتالمتحدة وشارك شعلان وطارق عملاق آخر هو د. صبور من جامعة عين شمس. وأثق بأن العلامة محمد غنيم مؤسس مركز الكلى العالمى بطب المنصورة يمكنه أن يعيد مع مكتبة الإسكندرية ومركز الدراسات الإستراتيجية بها اكتشاف منهج شامل يمكن ان نتلافى به امراض الطب فى المحروسة كى لا يتعامل الطبيب مع المريض كغنيمة وقعت بين يديه وليضع دستورا شاملا للعلاقة بين المريض والطبيب ولعل فكرة التأمين الصحى الشامل الذى نقدم عليه حاليا فى حاجة إلى هذا الدستور وكيف يكون هذا الدستور سيفا بتارا لاستئصال كل من يخل بهذا الدستور من الاطباء او المستشفيات. أكتب ذلك لثقتى بأن د. محمد غنيم له من المكانة العالمية ما يتيح له استكشاف آفاق رؤية الكبار من اطبائنا القادرين على رسم خريطة لأمراض الطب ولأمراض العلاقة بين الطبيب والمريض بحيث يعلم كل طرف ما له وما عليه فلا يقع المريض بين انياب من يستنزفه بالجهل النشيط احيانا او يقع الطبيب بين انياب مريض يعلم مدى قصور من قام بعلاجه. وهذا ما سوف يخرجنا من فساد استنزاف مستشفى أو طبيب لمريض ما. فلنواجه الحقائق لنكشف امراض الطب المتميز فى بلادنا والذى يتعرض لنفس هوس البحث عن الثروة ؛ وهو الهوس الذى أصابنا من بداية الإنفتاح السداح مداح ومازال يستشرى بضراوه فى زماننا الذى لا نجد فيه جهة تحاسب بجدية فعلية اى مستشفى او طبيب حدث منهما تقصير. لمزيد من مقالات ◀ منير عامر