كلما أوشكت عقدة تشكيل الحكومة فى لبنان على الحل داخليا،تتعقد إقليميا،فبعد حل العقدة الدرزية بين زعيم الدروزفى لبنان وليد جنبلاط ورئيس الحزب الديمقراطى الأميرالدرزى طلال أرسلان،وبعد حل العقدة المسيحية المارونية بين التيار الوطنى الحر والقوات اللبنانية - ميشال عون وسمير جعجع-،وبعد الاتفاق على حل عقدة النواب السنة المستقلين وتيار المستقبل،وقبول حزب الله بالحل الذى يريح سُنَّة 8آذاركما هو متعارف عليه،أو كما يسميهم رئيس تيار المستقبل رئيس الوزراء المكلف سعد الحريرى ،سنة حزب الله،تعطل تشكيل الحكومة ،بسبب الاختلافات بين النواب السنة المستقلين ومن يمثلهم،وأخيرا بسبب اتهام الرئيس السورى بشار الأسد لثلاثة زعماء لبنانيين وآخرين بدعم الإرهاب وتمويله فى سوريا،وهم سعد الحريرى رئيس تيار المستقبل وزعيم السنة فى لبنان ورئيس الوزراء المكلف،وسمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية،ووليد جنبلاط رئيس الحزب التقدمى الاشتراكى وزعيم الدروز فى لبنان،وهو الأمر الذى خلط الأوراق من جديد ،وأعاد تشكيل الحكومة لنقطة الصفر. فقد أعلنت هيئة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب فى سوريا قائمة ضمت 615 شخصا و105 كيانات، من بينهم زعماء سياسيون لبنانيون، هم رئيس الحكومة اللبنانية المكلف سعد الحريري، ورئيس الحزب التقدمى الإشتراكى وليد جنبلاط، ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، والنائب خالد الضاهر، وعقاب صقر، والشيخ داعى الإسلام الشهال، وبلال دقماق وغيرهم،ووصل عددهم إلى 42 شخصا. كانت وزارة العدل السورية قد أصدرت قرارا من قبل ، ينص على مصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة لرئيس الوزراء اللبنانى سعد الحريري، والنائب اللبنانى عقاب صقر، ووجهت الوزارة لهما تهمة دعم الإرهاب. ولكن لماذا الحريرى وجنبلاط وجعجع على قائمة الإرهاب السورية؟ فى الواقع يعد الحريرى وجنبلاط وجعجع من أعمدة فريق 14آذار المناهض لسوريا الأسد ،والذى قاد ثورة الأرز فى 2005 ،بعد اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريرى ،مما أدى لخروج الجيش السورى من لبنان بعد وجود دام مايقرب من 25عاما،وذلك عقب اتهام حزب الله وسوريا باغتيال رفيق الحريري،ومن ثم تشكلت أول محكمة دولية للنظر فى اغتيال مسئول ،للتحقيق فى الاتهامات الموجهة للأسد وحزب الله فى مصرع الحريري. وبعد اندلاع الأحداث الدامية فى سوريا فى ربيع 2011،بادر سعد الحريرى من منفاه الاختيارى بين الرياض وباريس بدعم المعارضة السلمية ضد بشار الأسد،وكذلك فعل جعجع وجنبلاط ،بدعم المعارضة سرا وعلانية ،بل وراهنوا على سرعة سقوط الأسد وانتصار معارضيه،مما زاد الشقاق بين الفرقاء اللبنانيين المؤيدين للمعارضة ،والمتضامنين مع الأسد،مما أدى إلى فراغ رئاسى فى منصب رئيس الجمهورية لمدة عامين ونصف العام فى لبنان. ومع دخول حزب الله الحرب لصالح الأسد فى سوريا،وتحقيق انتصارات عدة على داعش وإخواتها،ازدادت الفجوة والخلاف بينه وبين الحريرى وجعجع وجنبلاط،حتى تم التوافق بين 8و14آذار ،لانتخاب عون رئيسا مقابل الحريرى رئيسا للوزراء بموافقة حزب الله حليف الأسد وإيران وهو ماتم بالفعل. ثم جرت الانتخابات النيابية فى مايو 2018،وتم التوافق اللبنانى على رئيس تيار المستقبل سعد الحريرى لتشكيل الحكومة الجديدة،وهو الأمرالذى لايزال معلقا حتى الآن،بسبب عدة عُقد محلية منها العقدة الدرزية التى أصر فيها جنبلاط على الاستئثار بحصة الدروز فى الوزارة -3وزراء- دون مشاركة خصمه الدرزى رئيس الحزب الديمقراطى الأمير طلال أرسلان،وكذلك العقدة المسيحية المارونية بين التيار الوطنى الحر بزعامة الرئيس اللبنانى العماد ميشال عون ،وبين القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع،وكذلك عقدة النواب السنة المستقلين عشرة نواب لاينتمون إلى تيار المستقبل ممثل السنة فى لبنان بزعامة رئيس الوزراء المكلف سعد الحريرى، وبعد التوافق بين الأطراف المعنية بالعقد المحلية تم حل المشكلات الثلاث ، وقبل إعلان تشكيل الحكومة التى كادت تولد بين عشية وضحاها،اختلف النواب السنة المستقلون على من يمثلهم وينطق بلسان حالهم فتعقدت العقدة السنية من جديد،وخلال المشاورات الجدية لحل العقدة السنية بين الأطراف الفاعلة،الحريرى وعون وبرى وحزب الله،ظهرت القائمة السورية لدعم الإرهاب متضمنة أسماء الحريرى وجعجع وجنبلاط ،مما خلط الأوراق عند الفريق الموالى للأسد ،وجعل الحلول المطروحة لتشكيل الحكومة تتوقف لما بعد أعياد السنة الميلادية الجديدة. كان حزب الله قد قاد جهوداً داخل الحكومة اللبنانية مؤخراً لتطبيع العلاقات من جديد مع الأسد، بالرغم من وجود رئيس الحكومة على قوائم الإرهاب الخاصة بالأسد، وأرسل 3 وزراء زاروا سوريا بصفة رسمية الشهر الماضى فى خطوة أولية لإعادة العلاقات، وهى خطوة قوبلت برفض من قبل أوساط سياسية لبنانية معارضة. وردا على القائمة السورية لدعم الإرهاب، وصف تيار المستقبل هذه الاتهامات بأنها لا أساس لها من الصحة، ويستحيل على الحكومة السورية إثباتها لأنها غير موجودة. وقالت مصادر فى تيار المستقبل أنها جاءت ردا على المطالبة بضرورة إنهاء ملفات أمنية عالقة مع سوريا بخصوص الاتهامات الصريحة الموجّهة لقيادات وضباط سوريين بالارهاب وملف المفقودين فى السجون السورية، وهناك اتهامات لبنانية صريحة ضد رئيس مكتب الأمن الوطنى فى سوريا على مملوك بالإرهاب، واتهامات مؤكدة بالوقائع، فكيف لمتّهم بالإرهاب أن يتّهم الآخرين بالإرهاب. أما الحزب التقدمى الاشتراكى - وليد جنبلاط - فقال إن الأسد وحكومته يبتدعون أساليب جديدة لتوزيع رسائله التهديدية فى حق الأطراف السياسية المناوئة له، ولكل من رفض واعترض على ماقام به من قتل وتهجير وتدمير، وهذه ليست المرة الأولى التى ترسل هذه الرسائل، فقبلها وصلت رسائل مفخخة وعبوات ناسفة ،وكلها لم تُثنِ الحزب التقدمى الاشتراكى عن موقفه المُنحاز إلى جانب الشعب السوري،مؤكدا أن التوقيت قد يكون مرتبطاً بحالة الزهو التى يعيشها الأسد ظنا منه أنه انتصر. وقالت القوات اللبنانية - سمير جعجع - إن اللائحة السورية وما تضمّنته من اتهامات هى افتعال للقول إنّ هناك دولة سورية سيّدة على أراضيها ،وتختزن كل مقومات الدولة ،وفى طليعتها القضاء، بينما الواقع مختلف تماماً، حيث إنّ الدولة السورية صوَرية على أرض موزعة النفوذ، وبالتالى لا قيمة لكل ماقيل ويقال من قبل طرف فاقد قراره. وتخشى مصادر لبنانية بعد ظهور قائمة دعم الإرهاب السورية متضمنة أسماء زعماء لبنانيين فاعلين، من التهديد الذى ينطوى عليه ذلك لمن وردت أسماؤهم،فى ظل صمت مطبق من رئاسة الجمهورية اللبنانية عون الموالى للأسد وإيران وحزب الله ، أو من وزارة الخارجية اللبنانية التى يتولاها جبران باسيل رئيس التيار الوطنى الحر وصهر رئيس الجمهورية، أو من حزب الله المؤيد للأسد وإيران وحليف عون. فهل يخرج لبنان من العقد المحلية للإقليمية، ويظل رهنا للتوافقات السياسية بين الأطراف الخارجية الفاعلة فى لبنان، ويظل شهورا أخرى وربما سنوات دون حكومة فعلية ،مكتفيا بالخروج من حل عقدة ،للدخول فى غيرها،وسط متاعب معيشية واقتصادية يعانيها اللبنانيون جميعا؟