لا تتوارث الأخطاء والخطايا فى شرعة الإسلام، فكل امرئ بما كسب رهين، ولا تزر وازرة وزر أخرى، وكل إنسان يحمل طائره فى عنقه، ومسئول عن صفحته وأعماله، لا عن صفحة وأعمال سواه. والإنسان يحمل نصيبه من كل ذلك، السار والمؤلم، وتقع مسئوليته على كاهله وحده، وكل يأتى ربه يوم القيامة «فردًا» هكذا تقول لنا الآيات القرآنية. ولم يكلفنا الله تعالى بما فوق طاقتنا وقدرتنا، ولكنه جل شأنه يطلب منا الولاء له، والاتجاه إليه كيما يتحقق فى الدنيا السلام والأمان ، والاستقامة والعدل والمحبة . لا سبيل للفرد لأن يحقق بمفرده هذه الغاية الإنسانية الشاملة، إلاَّ بالتعاون والتكافل والتساند مع الآخرين بإخلاص وإيمان.هذا الإنسان هو لبنة وحدة الإنسانية التى تغيَّاها الإسلام، فعالمية الإسلام لا تنحصر بداهة فيه، ولا تنحصر فى «المحليات»، فالمسلم يتجه إلى رب الكون كله وفاطر السموات والأرض، ويعتمد على يقظة فطرته وتوجهها نحو الخالق وإسلامها إليه وانقيادها له . بهذا المعنى كان جميع الرسل والأنبياء مسلمين . هم جميعًا اصطفاء الله، مصدقون به، ومسلمون إليه. ونفهم من الآيات القرآنية أن الإسلام صفة لكل من آمن وأسلم إلى الله، فالمسلمون مأمورون فى الآية 136من سورة البقرة والآية 84 من سورة آل عمران ، ألا يفرقوا بين أحدٍ من الأنبياء والرسل ، يقولون : «لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُون» . يقول القرآن المجيد: «أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ» (آل عمران 83). «إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ» (البقرة 132،131 ) . ونوح عليه السلام، «إذ قال لقومه:افَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ » (يونس 72) . وقالت الملائكة المنزلة إلى إبراهيم الخليل عليه السلام عن البيوت التى زاروها: «فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ» ( الذاريات 36) . وعن المسيح عليه السلام، وما قاله له الحواريون بشأن من تربصوا به من اليهود، ورد بالقرآن الكريم: «فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِى إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ» (آل عمران 52). لكلمة الإسلام معنى جامع، يعنى إسلام الوجه لله، وصدق التوجه إليه، وتدلنا الآيات القرآنية على أن وحدة الإنسانية فى الله عز وجل، هى جوهر الإسلام وحقيقته الكبرى. فلا مجال فى الإسلام للفروق التى تباعد بين الناس على أساس العرق أو الدم أو العنصر أو الاقليم أو الثروة والجاه أو الحرية أو اللون أو الجنس أو الموطن أو التاريخ .. هذه الفروق فروق عارضة لا يأبه بها الإسلام.. يحجبها كلها الولاء لله عز وجل. هذا الولاء المشترك الذى يلغى هذه الفروق الأرضية، ويجمع الإنسانية على طريق التقارب والتقريب. إن إقحام الفروق الأرضية فى علاقة الإنسان بخالقه يفسد هذه العلاقة الروحية، ويخل بالتوحيد ويشوش عليه، فليس لروح كرامة عند الله لمجرد أن صاحبها ينتمى إلى شعب بذاته أو سلالة أو طائفة معينة. إن كرامة الروح الإنسانية هى فى شدة ولائها لله عز وجل، فإذا كانت المحبة الحقيقية بين الناس كفيلة بعدم مبالاة الفرد بهذه الفروق الأرضية، فكيف بمن يحب الله تعالى ويتجه بكلياته إليه ويسلم وجهه إليه ؟! إن احتفال الآدمى بهذه الفروق الأرضية يعنى أنه لم يحب الله عز وجل حبًّا حقيقيًّا، ولم يمنحه روحه وإسلامه. فالله تعالى ليس رب طائفة ولا شعب أو جنس ، ولا رب قوم دون أقوام، أو رب هذه القبيلة أو تلك، وإنما هو رب العالمين .. «تَبَارَكَ الَّذِى نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا» (الفرقان 1) «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرً» ب (سبأ 28) «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ» (الحجرات 13) هداية الله تعالى، هى هداية للناس كافة إلى رب العالمين. يقول سبحانه لنبّيه المصطفى عليه الصلاة والسلام: «قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَيَ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ» (الأنعام 71). ولأن وحدة الإنسانية التى حرص عليها الإسلام، لا تنهض على التمايز أو الاستعلاء أو العلو فى الأرض، فإنه لا محل للزعامة الدينية، ولا لزعامة قوامها العرق أو الجنس أو اللون, ففى الحديث النبوي: «ليس لعربى على عجمى ولا لعجمى على عربى، ولا لأحمر على أبيض، ولا أبيض على أحمر فضل إلاَّ بالتقوى». الرغبة فى الزعامة الدينية لا تتفق ورسالة الإسلام، ولا تصلح معها دعوة الحق.. وما صدق ويصدق على الشعوب ، يصدق من باب أولى على ما هو أضيق وأصغر، فلا زعامة للجماعات والطوائف والمذاهب والأحزاب والفئات . عالمية الدعوة الإسلامية ووحدة الإنسانية، أساسها توحيد الله عز وجل ، ووحدة الرحمة الإلهية، ووحدة التراحم الإنسانى، وتطابق الفطرة الإنسانية فى أجناس البشر وتساويها فى ظل الله.. فى الدنيا والآخرة. لمزيد من مقالات رجائى عطية