لم يدهشني أن تحتل مئوية الرئيس محمد أنور السادات هذه المساحة الواسعة من الإعلام المحلي والغربي.. فالرئيس السادات هو من أهم الشخصيات الدولية المعاصرة التي تركت بصماتها علي تاريخ مصر الحديث.. إنه في عيون الغرب رجل دولة من الطراز الأول، آثار اندهاش معاصريه عندما قام بتثبيت أقدام نظامه بتصفية مراكز القوي وترويج التعددية السياسية والتمهيد لقيام الأحزاب والاقتصاد الليبرالي والانفتاح الدبلوماسي.. منذ بداية تقلده الرئاسة أظهر حبه للديمقراطية وصداقته للغرب ثم قام بطرد الخبراء السوفييت وقلب موازين القوي العالمية، فأدرك المراقبون أنه رئيس حقيقي له أفكاره الخاصة وأعلن أنه لن يقدم علي أي صراع مع إسرائيل وإنما في أكتوبر 1973 شن هجوما علي إسرائيل واستطاع جيش مصر العظيم أن يعبر قناة السويس وخط بارليف ونجح في غسل هزيمة 1967 وهدم أسطورة إسرائيل. وتحول إلي بطل وتضامن أمراء البترول مع مصرفأعلنوا حظر البترول العربي ليتصدع الاقتصاد الغربي.. وبعد ذلك عادت العلاقات الدبلوماسية بين مصر والولايات المتحدة بعد أن كانت قد انقطعت عام 1967، أستقبل نيكسون كما لم يستقبل قبل ذلك أي رئيس أجنبي! وفي عام 1977 أعلن زيارته القدس وذهب إلي معقل دار العدو ليقترح عليه السلام.. وكتب آنذاك «ثييري دي جاردين» الكاتب الصحفي بالفيجارو في كتابه «سادات فرعون مصر»، إن خطاب السادات أمام الكنيسيت سوف يدخل في المختارات الأدبية والسياسية للتاريخ: ما بين نداء 18 يونيو للجنرال ديجول و«مكنة غزل غاندي» ودماء ودموع تشرشيل، صعد خليفة عبدالناصر والمناور والبارع والبورجوازي الليبرالي والرجل الجدع والرئيس الشجاع العنيد إلي مقام كبار رجالات العصر! وإن أنور السادات سوف يحتل مكانا في سجل العمالقة! في دراسة مستفيضة في كتابه الأخير «لقد صنعوا مصر الحديثة» يتناول روبير سوليه الكاتب المصري الفرنسي تاريخ أنور السادات ليبرز تاريخه الثوري ضد الإنجليز وزواجه من السيدة جيهان السادات في 29 مايو 1949 وتقلده مسئولية جريدة الجمهورية ثم منصب سكرتير عام المؤتمر الإسلامي عام 1955، ثم اختياره نائبا لرئيس الجمهورية عام 1969. ويبرز سوليه مهارة الرئيس السادات في القضاء علي مراكز القوي، وفي عام 1972 قراره بطرد السوفييت ويصف استعداده للحرب ومضاعفة الإشارات المعاكسة لمغالطة العدو ثم عبور القوات المصرية القناة في 6 أكتوبر 1973 ثم وقف إطلاق النار يوم 22 أكتوبر ويؤكد الكاتب سوليه انتصار الرئيس السادات سياسيا وعودة العلاقات الدبلوماسية بين مصر والولايات المتحدة يوم 7 نوفمبر وإعادة فتح قناة السويس لمرور السفن بفضل وساطة أمريكية. ويحلل سياسة الانفتاح للخروج من إدارة الدولة المركزية للاقتصاد المصري ويركز الكاتب المخضرم علي زيارة الرئيس القدس يوم 19 نوفمبر والإعلان الذي سبقها في خطابه يوم 9 نوفمبر 1977 بمجلس الشعب ويصف صمود السادات الذي يريد كسر الحاجز النفسي الذي هو عائق أساسي للسلام في المنطقة ويتناول بالتحليل خطاب الرئيس التاريخي في الكنيست والذي وقع كالصاعقة علي الطبقة السياسية الإسرائيلية عندما قال: لم أحضر إليكم لإبرام اتفاقية منفصلة بين مصر وإسرائيل، إنني جئت عندكم لكي ننجح معا في بناء السلام الدائم والعادل وليؤكد بيجين في كلمته نريد «سلاما شاملا» وإنما لم يذكر كلمة حول الانسحاب من الأراضي التي احتلت عام 1967 أو حقوق الفلسطينيين.. ويتناول الكاتب سوليه اجتماعات كامب ديفيد وتوقيع اتفاقية السلام يوم 26 نوفمبر 1979 الخاصة بعودة سيناء إلي مصر علي مراحل.. أما مستقبل فلسطين فلقد ورد من خلال تبادل الخطابات ليصفها السادات بأنها مرحلة علي طريق التسوية الشاملة في الشرق الأوسط. حان الوقت لأن يعتذر للسادات كل من حاول إهدار قيمته. لمزيد من مقالات عائشة عبد الغفار