بنى الشرع الشريف الحقوق الزوجية على أساس التقابل بين الزوجين، بحيث لا يقوم الزوج بشيء من الأمور تجاه زوجته إلا وكان عليها عملٌ يقابله سواء كان ذلك على سبيل المماثلة أو المكافأة. وتحديد هذه الحقوق والواجبات وتوزيعها بين الزوجين يرجع إلى عدة مبادئ، أهمها: المساواة بين الزوجة والزوج، ومراعاة الخصائص والوظائف للذكر والأنثي، وإقرار ما تعارف عليه كل مجتمع من حقوق وواجبات زوجية شريطة عدم مصادمته للأمور المقطوع بها شرعًا، ومراعاة مقتضيات التيسير والإحسان فى سائر أحوال الحياة الأسرية؛ وفى ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فى خطبة حجة الوداع: «استوصوا بالنساء خيرا، فإنهن عندكم عوان.. إن لكم من نسائكم حقا، ولنسائكم عليكم حقا، فأما حقكم على نسائكم، فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذن فى بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن فى كسوتهن وطعامهن»(سنن ابن ماجة). وتحمل هذه المعانى فى طياتها إشارات مباشرة على الطريق المستقيم الذى ينبغى أن تبنى عليه الحياة الأسرية السعيدة، حيث سيادة منطق التسامح والتراحم والمودة والتعاون، الذى بمراعاته يستوفى كلٌّ حقَّه فى غير ظلم ولا طمع، بل يقوم كلٌّ بواجباته تجاه الآخر فى غير ملل ولا تقصير؛ لأن الزوجين قد تقاسما هذه الحياة ذات الميثاق الغليظ بحلوها ومرها فى تعاون لا يعرف الأنانية أو الكسل، ومودة لا تتخللها كراهية، فكل واحد منهما بمثابة السكن للآخر ومحل اطمئنان قلبه وواحة الراحة والهدوء التى يلجأ إليها؛ وفى ذلك يقول الله تعالي: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[الروم: 21]. وهذا يؤكد ضرورة تهيئة الحياة الزوجية وإدارة كل أمورها بعيدًا عن مظاهر النفعية الجافة التى تقتضى قيام هذه العلاقة على أساس حدى يؤدى الطرف الأول فيها واجباته تجاه الطرف الآخر بدقة وصرامة، وسبيل ذلك أن تكون وفق المعاملة بالفضل والإحسان والرحمة بينهما حتى تتلاشى فى هذه العلاقة المقدسة مظاهر الأنانية وحب الذات، فضلا عن عدم افتعال المعارك وأخذ الحقوق والتنصل من الواجبات. ويضاف إلى ذلك المعالجة الحكيمة لما قد ينتج عن اختصاص أحد الزوجين من حقوق وأحكام- والذى هو من قبيل الفضل الوظيفى من شعور بالدونية عند البعض- فقد حثهما الشرع على ألا يتمنى أحدهما مميزات الآخر، كما فى قوله: (وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا)[النساء: 32]. وفى ذلك كشف مهم عن أصل تفكك الأسر وتشرذمها؛ فإن تتبع الحقوق والواجبات اللازمة شرعًا على أحد الزوجين تجاه الآخر بطريقة تجعله دائمًا على صوابٍ والطرفَ الآخر على خطأٍ، يعتبر مدخلا للضغط على الطرف الآخر، وهو تصرف غير رشيد وسلوك غير سديد. وبذلك فإذا ما تحققت هذه السمات الجليلة لدى الزوجين فى استيفاء الحقوق والواجبات والآداب المطلوبة من أحدهما تجاه الآخر ارتقت الحياة بينهما فى سائر شئونها نحو السعادة والاستقرار. لمزيد من مقالات د. شوقى علام مفتى الجمهورية