أربعون عاما مضت على رحيلها، ولاتزال «كوكب الشرق» باقية فى نفوس المصريين، معلقة بأذهانهم إلى الآن ومعشوقتهم إلى الأبد. تبدأ موسيقى الأغنية مع الليل الصامت فتدق قلوب «السميعة» ويرتوى ظمأ الجماهير المتعطشة بصوتها وهو يغنى «يا فؤادى لا تسل أين الهوى».. وكذا الحال مع الفنان محمد صبحى، سنبل الدراما المصرية، الذى استهل حواره ل «الأهرام» على نغم «الأطلال» محتفيا بذكرى ميلاد «الست». وقبل أن يبدأ حديثه معنا أخذ نفسا عميقا، والتفت إلى صورتها بعيون الفنان كأنه يلقى نظرات من وراء البعد مستدعيا بها أول لقاء بينهما، ومشهد صعودها على المسرح ولهيب الجماهير من أسفلها وقد قدمت من شتى أنحاء العالم العربى وهو شاخص ببصره يترقبها من «الكالوس».. ثم بادرنا بسؤاله؛ .............................................................................................. كيف ترى أم كلثوم بمنظور محمد صبحى الفنان؟ أنا عاشق لأم كلثوم منذ عمرى الثامن، ومحب لصوتها كثيرا، وأحب من أغانيها أغنية «الأطلال».. فهى تمثل لى قيمة فنية كبيرة، يتصارع الناس لسماع صوتها ويأتون إليها من كل مكان، كان الأميون قبل المتعلمين يسمعونها، ويجلسون فى أرض شريف وعابدين خصيصا لأجلها، فيكفى أن عودتهم على الذوق الفنى الرفيع، وجعلتهم لا يطلبون كلمات جوفاء. ما أبرز المواقف التى جمعت بينك وبين أم كلثوم وأشدها تأثيرا عليك؟ هو موقف واحد عندما كنت فى سن السابعة عشرة عاملا على شباك بيع تذاكر حفلاتها أول خميس من كل شهر، وكنت أعمل طوال الشهر فى مقابل 30 جنيها، وذات مرة أصرت على حضور إحدى حفلاتها، وقلت لنفسى ليس من المعقول أن أكون مسئول تذاكر حفلات أم كلثوم ولا أحضرها وهناك من يأتون من خارج مصر وعبر الطائرات، فحجزت كرسى فى الصف الأول ودفعت 5 جنيهات وسلمت العهدة زى كل يوم، فجاء صاحب الجمعية الخيرية التى كنت أوزع لها التذاكر وقال لى «محتاجين كرسى بأى طريقة لأن فى ضيف جى من بره». المهم عرف إنى معايه تذكرة حاول يأخذها منى لكنى رفضت وقلتله أنا دافع مكانها 5 جنيهات، ولما صممت على رفضى استدعانى للست وكنت أقف خلفها فحدثتنى وهى تصفف شعرها تعالى هنا يا أستاذ وبعدها تفاجأت إنى طفل ووقعت مداعبة بينى وبينها. قالت لى أنا محتاجة الكرسى لضيف من خارج مصر، قلتلها أنا لازم أسمعك فردت عليه بأنها مش هتغنى وبعدين قالت لى أية رأيك أنا هقعد فى مكان أحسن بكتير ودا كان كرسى فى الكالوس وشاهدت الحفلة من خلاله.. وهى خارجة من الحفلة أعطتنى ظرفا فيه 50 جنيها ولم تكن بخيلة كما يراها البعض، وتأثرت كثيرا برحيل أم كلثوم وحجم الناس التى شاركت فى الجنازة وكانت أشبه بجنازة عبد الناصر وأصابنى رحيلها بحزن عميق. تراجع الفن هذه الأيام على عكس فن كوكب الشرق ما السبيل إلى عودته؟ تراجع الفن بالفعل وحدث انهيار أخلاقى وسلوكى بعد ثورات الربيع العربى وعودة الفن ترجع إلى ضمير الفنان ولابد أن يكون الفن الذى يقدمه يبتى ولا يهدم ويرتبط بذوق المشاهد. هل التذوق الفنى للمجتمع المصرى شريك فى تقهقر الفن الهادف؟ لا طبعا، فهناك جمهور عريض يشجع الفن الهادف، ويتمسكون به وزى ما فيه جمهور بيهتم بالتفاهه هناك جمهور يهتم بالأعمال المحترمة التى تمتعه ذهنيا وبصريا وسمعيا.. مصر كانت دائما رائدة ولا بد أن تعود مرة أخرى لمركز الريادة ونضع أمامنا الرواد الذين رحلوا أمثال «الست» ليكون علينا أن نقدم فنا أعمق وأحسن من الفن غير الهادف. منصب وزير الثقافة فى أى دولة مكانة مهمة وضرورية لثراء الفن.. أحقا رفضت تولى الوزارة؟ أنا رفضت منصب وزير الثقافة 4 مرات بعد الثورة لأن وزير الثقافة يدير الثقافة والفنان هو الذى يصنع الثقافة، وأنا مش ممكن أحرم نفسى من صناعة الثقافة، ودا دورى وأنا أقدر أعمله وإدارة الثقافة عايزة حد عنده إلمام ودراية كاملة لأن الثقافة مهمة للشعوب وليس فقط فن أو فن تشكيلى او باليه أو سينما أو مسرح أو دراما. فى رأيك هل المنصب يقيد الفنان أو يحد من إبداعه؟ فى ناس تتمنى هذا المنصب وهذه رغبتها، أما بالنسبة لى فدرجة الفنان عندى أعلى من الوزير 10 مرات.