مرشحو «العدل» ينتهون من الكشف الطبي استعدادًا للانتخابات.. والدريني: مفاجأة مرتقبة قريبًا    الجبهة الوطنية: قادرون على إحداث نقلة حقيقية في تاريخ الحياة الحزبية    حزن ببورسعيد لوفاة القمص بطرس الجبلاوى.. خطب على منبر مسجد ضد العدوان الثلاثى    تراجع أسعار سيارات بيستيون B70 S في السوق المصري    البدوي: تعافي الاتصالات سريعًا بفضل «عقل الدولة الإلكتروني» بالعاصمة الإدارية    صحيفة عبرية: ترامب مارس ضغطا شديدا على نتنياهو لوقف النار والأخير يغادر الاجتماع دون تصريحات    «بيدرو» يتوج بجائزة أفضل لاعب في مباراة فلوميننسى وتشيلسي    أيمن الرمادي، تصريحات وائل القباني خطأ ولم يكن هذا وقتها    خبر في الجول - الزمالك يستقر على استمرار بدر حامد رئيسا لقطاعات الكرة    ماشية مع واحد وأنا بغير عليها، اعترفات مستشار سابق أطلق النار على طليقته أمام معرض سيارات بدهشور    بعد ترميمهما.. وزير السياحة ومحافظ القاهرة يفتتحان قبتين نادرتين بالفسطاط    إلى عشاق البطيخ، هل الإفراط في تناول هذه الفاكهة الصيفية ضار؟    ارتفاع حصيلة احتجاجات كينيا المناهضة للحكومة إلى 31 قتيلاً    فلسطين.. «الرئاسية العليا»: كنيسة الخضر والمقبرة في بلدة الطيبة ليستا هدفًا للاحتلال    «زي النهارده» في ‌‌9‌‌ يوليو ‌‌1816.. استقلال الأرجنتين    محافظ قنا يعتمد تنسيق القبول بالمدارس الثانوية للعام الدراسي 2026/2025    سعر التفاح والموز والفاكهة في الأسواق اليوم الأربعاء 9 يوليو 2025    رسميًا.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الاربعاء 9 يوليو 2025    بفرمان من جون إدوارد.. الزمالك ينهي صفقة آدم الكايد    وسام أبو علي يغيب عن معسكر الأهلي.. مهيب عبدالهادي يكشف مفاجأة    مدرب الزمالك السابق: يجب أن نمنح جون إدوارد الثقة الكاملة    حامد حمدان ينتقل إلى الزمالك مقابل إعارة ثنائي الأبيض ل بتروجت    الفيفا يفتتح مكتبا داخل برج ترامب استعدادا لمونديال 2026    سعر الذهب اليوم الأربعاء 9 يوليو محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    عقب تداول الفيديو.. «الداخلية» تعلن القبض على طفل يقود سيارة في القليوبية    النيابة العامة تذيع مرافعتها فى قضية حادث الطريق الإقليمي (فيديو)    تحذير شديد بشأن حالة الطقس اليوم : موجة شديدة الحرارة والرطوبة 93%    إصابة شخصين في حادث تصادم بطريق الصعيد في المنيا    وفاة سائق قطار داخل كابينة القيادة بمحطة دسوق    مصرع طالبين أثناء عبورهما شريط السكة الحديد بسوهاج    مجلس الكنائس العالمي يدعو لحماية حرية الدين في أرمينيا: "الكنيسة الرسولية الأرمينية تمثل إرثًا روحيًا لا يُمس"    بعد سرقتها لوحاته.. الفنان الفرنسي "سيتي": سأقاضي مها الصغير    بعد 12 سنة.. هل يقدم ناصر القصبي نسخة كوميدية من «فبراير الأسود» بعد خالد صالح؟    ريهام حجاج: «وحشني أوي كوكب الأرض قبل ما يقلب سيرك»    رئيس الوزراء الفلسطيني يأمل في أن تتكلل مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة بالنجاح سريعا    غالبًا ما تمر دون ملاحظتها.. 7 أعراض خفية لسرطان المعدة    "إنستاباي شغال".. وزير الشئون النيابية يرد على نائب بشأن أزمة الخدمات بعد حريق سنترال رمسيس    ولي العهد السعودي يبحث مع وزير الخارجية الإيراني تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة    رئيس الوزراء يعود إلى القاهرة بعد مشاركته في قمة "بريكس" نيابة عن الرئيس    مصادر طبية في غزة: مقتل 100 فلسطيني بغارات إسرائيلية منذ فجر الثلاثاء    وزيرا الكهرباء وقطاع الأعمال يبحثان التعاون في مجالات تحسين كفاءة الطاقة    معشوق القراء... سور الأزبكية يتصدر المشهد بمعرض الكتاب الدولي بمكتبة الإسكندرية    مينا رزق لإكسترا نيوز: الدعم العربى والأفريقي سببا فى فوزى برئاسة المجلس التنفيذى لمنظمة الفاو    وراءها رسائل متعددة.. الاحتلال يوسّع استهدافه بلبنان ويصفي مسؤولًا بحماس شمالًا    80 شهيدًا منذ الفجر.. قصف إسرائيلي عنيف يضرب غزة وأوامر إخلاء شاملة لخان يونس    مستقبل وطن: القائمة الوطنية الخيار الانتخابي الأفضل لتوحيد القوى السياسية    جهاز تعمير مطروح: الانتهاء من تصميمات المنطقة السكنية بشرق مدينة مرسى مطروح    أمين الفتوى يحذر من الزواج العرفي: خطر جسيم على المرأة    محافظ الجيزة يعقد اللقاء الأسبوعي لبحث شكاوى المواطنين بعدد من الأحياء    مرشحان في اليوم الرابع.. 7مرشحين يتقدمون بأوراقهم لانتخابات مجلس الشيوخ بالأقصر    رئيس جامعة بنها يتفقد مستشفى الجراحة: تطوير ب350 مليون جنيه لخدمة مليون مواطن سنويا    تطورات الحالة الصحية للإعلامية بسمة وهبة بعد إجراء عملية جراحية    دينا أبو الخير: الجلوس مع الصالحين سبب للمغفرة    رئيس جامعة بنها يتفقد سير العمل والاطمئنان على المرضى بالمستشفى الجامعي    الخميس.. الأوقاف تنظم 2963 مجلسا دعويا حول آداب دخول المسجد والخروج منه    «الوطنية للانتخابات»: 311 مرشحا لانتخابات الشيوخ على الفردي.. .ولا قوائم حتى اليوم    أمينة الفتوى: «النار عدو لكم فلا تتركوا وسائل التدفئة مشتعلة أثناء النوم»    ندوة بالجامع الأزهر تُبرز أثر المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار في ترسيخ الوَحدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحرب الطويلة على العشوائيات

مبانى العشوائيات الكالحة، والرائحة النفاذة المنبعثة من حظائر البهائم ومجاري الصرف المنتشرة بها، وأكوام القمامة المتراكمة على أطرافها؛ هذا المشهد هو أسوأ ما يمكن أن تشاهده عين فى المدينة. لا يحب الموسرون من أهل المدن النظر للعشوائيات، لهذا نجد الأسوار العالية وقد أقيمت حولها لتخفيها عن أعين قائدى السيارات المارين على الطرق المحيطة. أسوار إخفاء العشوائيات مشهد مألوف فى جوهانسبرج وكيب تاون وريودى جانيرو والقاهرة ومومباى ومكسيكو سيتى وكراتشي، فالعشوائيات ليست شيئا يميز بلدا دون غيره، ولكنها ظاهرة موجودة فى كل مكان يوجد فيه فقر وتفاوت اجتماعى وحكومات تئن تحت عجز الموازنة، وبيروقراطية محدودة الكفاءة فاسدة.
الأسوار المحيطة بالعشوائيات لا تخفى حقيقة أن هناك بشرا يعيشون خلف هذه الأسوار وسط قبح وقذارة لا تطاق، وأن ما لا يستطيع البعض احتمال منظره أو رائحته، يمثل الحياة اليومية للملايين من سكان المدن, فوفقا لتقديرات البنك الدولى تبلغ نسبة سكان العشوائيات بين سكان المدن 11% فى مصر، 8% فى تونس، 17% فى الأرجنتين، 55% فى بنجلاديش، 22% فى البرازيل، 25% فى الصين، 74% فى إثيوبيا، 24% فى الهند، 13% فى المغرب، 23% فى جنوب Nفريقيا، 92% فى السودان، 12% فى تركيا.
حتى البلاد الغنية المتقدمة لم تسلم من العشوائيات، ففى عصر الثورة الصناعية التى بدأت فى منتصف القرن الثامن عشر هاجر الملايين من القرويين للعمل فى المدن والمراكز الصناعية، فطبعت الأحياء العشوائية الفقيرة المدينة بطابعها، لدرجة ألهمت المؤلفين لإنتاج بعض من أفضل الآداب العالمية التى تناولت بؤس العمال الفقراء فى المدن المزدهرة، وما روايات أوليفر تويست و ديفيد كوبر فيلد لتشارلز ديكنز، والبؤساء لفيكتور هوجو سوى وصف أدبى للحياة فى عشوائيات لندن وباريس فى القرن التاسع عشر.
وفى عظة شهيرة قالها عام 1850 الكاردينال ويسمان، أول أسقف كاثوليكى لمدينة لندن منذ تحولت إنجلترا إلى البروتستانتية فى القرن السادس عشر، تحدث الأسقف ويسمان واصفا المنطقة المعروفة بأرض الشيطان فى حى ويستمينستر، فقال إنه بالقرب من كنيسة ويستمينستر توجد متاهة خفية من الحوارى والأزقة والعشوائية وأوكار الجهل والشر والحرمان والجريمة والبؤس والتعاسة والمرض، شهيقها التيفوس، وزفيرها الكوليرا؛ إنها خلية هائلة تضم عددا لا يحصى من البشر - لكن اسما فقط الذين يعيشون فى منطقة لا يصلها الصرف الصحى ولا تضيئها أعمدة الإنارة؛ فهل يختلف هذا عما يمكن قوله فى وصف عشوائيات القاهرة ودكا وريو دى جانيرو ومكسيكو سيتى ومومباي؟
العشوائية ليست مجرد حى يسكنه بعض الناس، إنها طريقة حياة وتفكير وثقافة, فعندما يبيت الناس ويصحون وسط كل هذا التلوث المادى والروحي، ووسط كل هذا الانتهاك للآدمية والخصوصية، وعندما يولدون ويموتون هناك، فإن العشوائية تنفذ إلى ما تحت الجلد، وإلى داخل العقل والروح، فتصبح طبيعة ثانية، كما لو كان الناس يولدون بها كجزء من شفراتهم الوراثية، يحملونها معهم أينما ذهبوا. فالعشوائية لا يمكن حصرها وراء الأسوار المحيطة بالعشوائيات، وأى محاولة لحصرها وراء الأسوار، أو التحصن منها وراء أسوار المجمعات السكنية الفاخرة ذات الأسوار والبوابات، ليست أكثر من محاولات فاشلة للدفاع فى حرب خاسرة، فالعشوائية ما أن تعرف طريقها إلى المدينة إلا وتمنح المدينة طابعها الكريه المميز, ولا سبيل لكسب هذه الحرب إلا بالهجوم على العشوائيات إزالة وإحلالا وتطويرا، ففى تطوير العشوائيات رحمة بأهلها، ورحمة بجيرانهم ومواطنيهم من سكان المدينة الآخرين.
القضاء على العشوائيات، واستبدالها بمساكن آدمية لائقة ليست بالمهمة السهلة. لقد احتاجت انجلترا إلى قرن كامل للقضاء على العشوائيات، فحتى بعد الحرب العالمية الثانية كانت الجيوب العشوائية مازالت موجودة فى العاصمة البريطانية. الأخطر من هذا هو أن العشوائية قادرة على العودة ثانية ما لم نحصن المجتمع بأنظمة قانونية وإدارية كفء وعادلة. فالمحاولة الراهنة لمواجهة تحدى العشوائيات فى مصر ليست المحاولة الأولى، فقد كانت لدينا محاولات سابقة فى الخمسينيات والستينيات، حين تم بناء مشروعات الإسكان الشعبى فى حدائق زينهم وعين الصيرة والساحل والأباجية والزاوية الحمراء، وغيرها. فى البداية كانت هذه المشروعات نماذج للانضباط والنظافة والالتزام بقواعد البناء. لكن شدة الغربال الجديد لا تدوم، فبعد فترة ساد التراخى والفساد والتواطؤ والمنفعة المتبادلة بين الأهالى والموظفين لتخريب المنطقة, والآن احتلت المحال التجارية والورش الأدوار الأولى، وزادت مساحات المبانى فى جميع الاتجاهات، فالشقة التى كانت غرفتين أصبحت ثلاث أو أربع غرف على حساب الأرصفة والشوارع, وضاقت الشوارع الواسعة، بل إن بعضها تم إغلاقه تماما، واختفت المساحات الخضراء إلا من قليل من الأشجار العنيدة.
لقد بدأت هذه المشروعات للسكن بالإيجار، لكنها انتهت إلى أن أصبحت ملكا لسكانها. فى البداية كانت الدولة تتقاضى إيجارا مناسبا من السكان، لكن مع مرور الوقت، وبسبب التضخم السريع فى السبعينيات، أصبحت حصيلة الإيجارات أقل من التكلفة اللازمة لمواصلة صيانة المباني، فيما كانت العقيدة الاشتراكية والاعتبارات السياسية تحول دون زيادة الإيجارات لتتناسب مع تكلفة الصيانة المتزايدة. أصبح العبء كبيرا على الدولة المأزومة ماليا بعد سنوات الحرب الطويلة، فلجأت الدولة فى منتصف السبعينيات إلى التخفف من العبء، وتمليك الشقق لساكنيها، على أن يتحملوا تكاليف صيانتها. ارتاحت الدولة، وفرح الملاك الجدد، وراحوا يعبثون بأملاكهم، ويمارسون فيها كل أشكال التشويه والتدمير متحررين من الدولة التى رفعت يدها عن كل شيء، فتحولت المساكن الشعبية الجميلة إلى عشوائيات جديدة.
أكاد أجزم بأن هناك اليوم من يتحين الفرصة لكى يفعل الشيء نفسه فى المشروعات الرائعة التى تبنيها الدولة فى الأسمرات والمحروسة وبشاير الخير. فالبعض بين المواطنين وموظفى الإدارة والأحياء لا يصدقون أن ما يحدث هذه المرة يختلف عما حدث قبل ذلك، ولا يرون فيما يجرى سوى شدة الغربال الجديد؛ فدعونا نثبت أنهم على خطأ هذه المرة.
لمزيد من مقالات ◀ د. جمال عبدالجواد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.