تعددت التحليلات حول إعلان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب قراره سحب قواته العاملة فوق الأراضى السورية بشكل سريع يوم الأربعاء 19 ديسمبر 2018، وهو الانسحاب الذى تحول إلى "لغز العام" لما يمكن أن يترتب عليه من تداعيات فى العام الجديد. الأمر ليس مفاجئا؛ فقبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016، أشار ترامب إلى الصراعات التى تخوضها الولاياتالمتحدة فى الشرق الأوسط على أنها "حروب حمقاء" قائلاً إنه سيعيد القوات الأمريكية إلى أرض الوطن. ولكن الدليل القاطع على أن الانسحاب لم يكن مفاجئا بدا واضحا جليا فى شهر أكتوبر 2018 عندما شرع الأمريكيون فى تدريب القوات التركية العاملة داخل الأراضى السورية بناء على اتفاق بين الطرفين فى سبتمبر 2018، شمل كيفية تنفيذ التكتيكات وسبل إدارة العمليات العسكرية. أما فيما يتعلق بمنبج، فلم تكن سوى نقطة من النقاط الواردة ب"خريطة طريق" متفق عليها مسبقا بين واشنطن وأنقرة منذ شهر يونيو 2018 تشمل انسحاب القوات الأمريكية من المنطقة مصطحبة معها قوات حماية الشعب الكردية التى كانت تعمل تحت مظلتها فى منبج منذ عام 2016. وفى كل الأحوال، فإن المستفيد الأكبر من "مشهد" الخروج الأمريكى السريع هو معسكر ترامب؛ فعلى مستوى الداخل الأمريكى: يرى ترامب أن الانسحاب من سوريا يعطى دفعة لحملة إعادة انتخابه فى عام 2020، حيث سترتكز دعايته الانتخابية على إنزاله الهزيمة بتنظيم "داعش" وإعادة قواته إلى البلاد، وهو الأمر الذى فشل فيه الرئيس الديمقراطى السابق أوباما. وبانسحابه سيحقق ترامب وفرا فى النفقات، وهى ورقة إضافية تحسب له فى الشارع الأمريكى، إذا أضيفت لها ورقة المساومات التى يمارسها على الدول العربية فيما يتعلق بتحميلها بفواتير "الحماية" تخفيفا لأعباء الاقتصاد الأمريكى. أما على المستوى التكتيكى؛ فهناك من يقول إن تحرك ترامب يعد بداية لتحرك يهدف فى النهاية إلى توجيه وتركيز الجهد العسكرى الأمريكى للعمل فى جبهة جديدة؛ إيران أو بحر الصين الجنوبى أو كوريا الشمالية أو ربما الحدود الجنوبية للولايات المتحدة ذاتها، ولكن حتى الآن لم تظهر أى انزعاج يذكر، لأنها وببساطة تنسيق مع واشنطن منذ سنوات فى سوريا والعراق وقطر!. يدفع ما سبق إلى الاعتقاد بحدوث "إعادة إنتشار" لتطوير مخطط إقامة دولة جديدة على الأراضى السورية على أنقاض مناطق نفوذ "داعش" السابقة، بحيث تقوم هناك دولة ذات طابع علمانى تجمع معارضى النظامين العراقى والسورى، بالإضافة إلى القوى الكردية وبعض قبائل المنطقة. لمزيد من مقالات طارق الشيخ