جعل الله تعالى الزوج راعيًا ومؤتمنا على أسرته عبر مراحل حياتهما، يرتاد لها الأحوال المرضية، ويهيئ لها الأجواء السعيدة بدنيًّا وفكريًّا ونفسيًّا، بما يعود عليها بالنفع والاستقرار والأمان والتكامل، وفى ذلك يقول، صلى الله عليه وسلم: «الرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم» متفقٌ عليه. وتبدأ مسئولية الزوج عن أسرته قبل تكوينها حيث تهيئة الحياة الزوجية باختيار شريكته الملائمة لحاله بناء على الكفاءة ومعاييرها التى أرشد الشرع الشريف الرجال إلى اعتبارها فى النساء، وهي: الدين والنسب والسلوك والتربية المتشابهة والثقافة والتعليم والمال والجمال والسلامة من العيوب، وفى ذلك يقول النبى صلى الله عليه وسلم: «تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك»(صحيح مسلم).ويصاحب ذلك عُرفًا تهيئة الجو الصالح بين العائلتين بتقديم الخِطبة وقراءة الفاتحة وقبول الشبكة والهدايا وقبض المهر كمقدمات للزواج ومن قبيل الوعد به، ويُعَدُّ ذلك باكورة الالتزامات المعنوية والمادية الواجبة شرعًا وقانونًا على الزوج تجاه أسرته، وجعلها حقوقًا للطرف الآخر، وفى ذلك تكريم للمرأة وتوثيق لروابط المحبة بين الزوجين، يقول الله تعالى: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً)[النساء: 4]، ومثل ذلك الميراث.ويُعَد من مسئولية الزوج أيضا احترام حق الزوجة فى حرية تصرفها فيما يدخل تحت ذمتها المالية، فمن حقها البيع والشراء والهبة وغير ذلك من المعاملات، شأنها شأن الرجل حيث قال تعالى: (وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)[النساء: 20]، ويستثنى من ذلك ما كان عن طِيبِ خاطر منها، انطلاقًا من قوله تعالى: (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا) النساء: 4.كما تتضمن مسئولية ربِّ الأسرة تجاه أسرته سواء الزوجة أو الأبناء الإنفاق عليهم، تبعًا لحاله يسرًا أو عسرًا، والنفقة تشمل الطعام والشراب والكسوة والسكن والتعليم بالأساس، ويدخل تحتها الأمور الطبية الوقائية والعلاجية التى تحافظ على أبدانهم وصحتهم؛ امتثالًا لقول الله تعالى: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللهُ لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) الطلاق: 7.ويقع على عاتق ربِّ الأسرة الاهتمام بتأسيس العلاقات الاجتماعية مع الأقارب والجيران وتنميتها، وبناء النسيج الأسرى بناءً قويًا حتى يواجه التحديات التى تعترض الأُسَر كما هى سُنَّة الله فى خلقه، وذلك من خلال تكامل الأدوار والحقوق، وقيامها على إحسان العِشرة وإظهار المودة وبذل ما فى الجهد من صور الملاطفة المعنوية والحسية والعطاء دون انتظار مقابل.ولا يخفى أن من حُسن العشرة: احترام شخصية المرأة وإكرامها، ومن إكرامها إكرام أهلها، وفى هذا اقتداء بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ فقد كان حسن العشرة مع نسائه فى سائر أمورهن، ومن ذلك موقفه مع زوجته صفية بنت حيى رضى الله عنها حين بَرَكَ جَمَلُها فى مسيره لحجة الوداع وكانت من أحسنهن ظهرا، فبكت، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أخبر بذلك، فجعل يمسح دموعها بيده الشريفة، وجعلت تزداد بكاء وهو يلاطفها وينهاها.(مسند الإمام أحمد).وبذلك تتجلى مبادئ ومظاهر مسئولية رب الأسرة، وهو الزوج، تجاه زوجته وأبنائه، والتى إذا ما رُوعيت ارتقت الحياة الأسرية وتحقق استقرارها وظهرت فى صورتها الكاملة، وهى تدور حول أساس مهم وهو اعتبار الرجل لقدرته واستطاعته فى القيام بأعباء الزواج وآثار الحياة الأسرية؛ لأن الإهمال فى شيء من ذلك يدخل تحت نهى الشرع عن إضاعة الإنسان لمن يرعاهم نتيجة تكلفه ما لا يطيق وتحمله لمسئولية يعلم من نفسه أنه سيعجز عنها، وقد قال الله تعالى: (لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ)[البقرة: 233]، وقال صلى الله عليه وسلم: «كَفَى بالمرءِ إثماً أن يُضيِّعَ مَنْ يَقُوتُ»(سنن أبى داود). لمزيد من مقالات د. شوقى علام مفتى الجمهورية