لكل زعيم أوشخصية تاريخية جوانب خاصة تؤثر في شخصيته وسلوك حياته، وتأثرت حياة الزعيم في بدايتها بالأساطير الشعبية مثل موال زهران بطل موقعة دنشواي وأدهم الشرقاوي، ورسخت لديه عقيدة كره الإنجليز وضرورة الخلاص منهم.. أما الزنزانة 54 فكانت نقطة التحول في شخصيته، فيها اهتم بالقراءة كثيرًا، وظهرت فلسفته في الحياة التي ارتكزت علي التصوف وترك في نفسه ثارًا عميقة. .......................................................يقول السادات في كتابه البحث عن الذات ، في الزنزانة 54 بدأت الروابط التي تربطني بمطالب الحياة تنقطع الواحدة بعد الأخري، ولما تخففت الروح من أثقالها تحررت الذات وانطلقت كما ينطلق الطير من قفصه إلي الفضاء الواسع ، إلي الكون بأجمعه.. أنا لم أدرس التصوف ولكن ما وقع في يدي من أقوال وكتابات المتصوفين وجد صدي في نفسي.. ومن أجل هذا كانت الستة شهور الأخيرة لي في الزنزانة 54 ومازالت أسعد أيام حياتي ففيها تعرفت لأول مرة علي هذا العالم الجديد، عالم إنكار الذات إنكارًا تاماً، وعرفت فيه السلام الروحي. و بعدما عرفت صداقة الله تغيرت كثيرا فلم أعد أغضب ابدا إلا في الحق وأصبحت الحياة بالنسبة لي أرحب وأجمل وأوسع، وزادت قدرتي علي التحمل مهما كانت المشاكل التي يجب أن أتحملها، ولم يعد للإنتقام والحقد أي مكان في نفسي، وأصبح إيماني بأن الخير دائما ينتصر. وفي الزنزانة 54 عرف السادات فلسفة الحب ، فيقول: أكثر ما عانيت منه في الزنزانة 54 هو شعوري بالفراغ العاطفي، فلكي يكون الرجل مكتملا لابد أن تكون له رفيقة تحبه ويحبها ، فهذه أعظم نعمة في الوجود ، فعندما تمتليء نفس الإنسان بالحب يستطيع أن يتم رسالته ، والحب هو مفتاح لكل شيء ، لكن عندما تجردت من ذاتي في الزنزانة نعمت بصداقة الله وعمر قلبي بحبه وأصبح ظله يحتويني، لقد اكتشفت ذاتي عن طريق الحب، وعندما أنكرت هذه الذات وأذبتها في ذات الكون أصبح الحب الشمولي لمصر للكون للخالق هو المنطق الذي مارست منه ومازلت أمارس واجبي في الحياة حتي عندما كنت عضوا في مجلس قيادة الثورة ، وأنا رئيس جمهورية مصر. وكان للزعيم جوانب صوفية عميقة ، دفعته إلي الارتباط روحيا بالعارف بالله السيد البدوي ، ولعل الموقف الأول في حياة السادات داخل ضريحه يمثل جانبا مهما لهذا الارتباط، فيؤكد الكاتب الصحفي الراحل محمود رافع في كتاب الرؤساء وأقطاب الحقيقة إن الرئيس السادات زار ضريحه خلال فترة هروبه من السجن، ودخل عليه الشيخ أحمد حجاب إمام المسجد فوجده يبكي بصوت عال بجانب الضريح فقال له أهلا بك يا خيديو مصر وكان ذلك محل استغراب السادات فلم يكن معروفا في ذلك التوقيت وأمله كان مرتكزا علي العودة إلي عمله في الجيش، ولكن الشيخ حجاب أكدها مرة أخري « سوف تكون رئيسا لمصر» فوقعت هذه الكلمات في نفس السادات ومثلت له البشري الأولي برئاسة مصر ، وتعلق السادات بالسيد البدوي أكثر بعدما أصبح رئيسا. الدكتور محمود جامع الصديق المقرب للرئيس السادات، الذي كان يحرص السادات دائما علي زيارته في طنطا، يؤكد انه كان عالقا بالعارف بالله البدوي، فكان يزوره قبل القرارات المهمة والمصيرية تبركا به ، وزار المسجد قبل انتصار حرب أكتوبر، وقبل معظم القرارات التاريخية. ويوضح الدكتور جامع أنه عندما كان الرئيس الراحل يزور مقام البدوي ويصلي الفجر داخل المسجد ويزورني في منزلي بمدينة طنطا، اعلم أنه مقبل علي قرار وأن مصر ستشهد حدثًا هاما، وكان السادات متعلقا بكبارعلماء مسجد البدوي منهم الشيخ أحمد حجاب، والشيخ الخطيب، واهتم بنهضة العلم والدين بالمسجد، وتطويره.