انطفأت أنوار شهر العسل سريعا بين الرئيس «الجديد» حسنى مبارك والأستاذ محمد حسنين هيكل، وانتهى الغزل الذى بدأ عقب إطلاق سراح الفوج الأول من المعتقلين السياسيين فى سبتمبر عام 1981، وأطلق هيكل تصريحاته عن حق الرجل مبارك فى فرصة يستحقها وشرعية هو جدير بها، وليست غريبة على الشعب المصرى، وبدأ مشوار القطيعة بمجرد صدور كتاب خريف الغضب الذى اتهم فيه هيكل «السادات» بطل الحرب والسلام بعد موته، ورد هيكل أن الكتاب دراسة عن حالة الغضب التى قادت إلى لحظة الاغتيال، وهو يكشف الكثير من شلة المنتفعين بوصول السادات إلى حالة الغضب وقال: لم أتوقع أن يُمنع الكتاب فى مصر قبل أن تصل نسخة واحدة منه إلى القارئ، وجرى التذرع بفقرات من فصل حاولت فيه أن أتحدث عن العوامل النفسية التى أثرت على شخصية الرئيس «السادات» من الجذور، واعتبر الرئيس مبارك نفسه جزءا أصيلا من طبقة المصالح، ووصل إلى الحالة التى فسرها الدكتور أسامة الباز المستشار السياسى للرئيس فى كتاب «خريف هيكل» لعادل حمودة رغم اعتراضى على كثير مما فيه: إن مبارك لا يحب هيكل ولا يكرهه، لكنه بعد أن فوجئ بما كتب هيكل عن السادات فى خريف الغضب، بدأ يأخذ حذره منه، ووسط هذه المرحلة الرمادية فى العلاقة بين مبارك وهيكل ومنع نشر كتبه فى مؤسسة قومية، خرجت علينا أخبار اليوم بإشارة جس نبض ضخمة فى الصفحة الأولى عدد 14 ديسمبر 1985 عن عودة الأستاذ محمد حسنين هيكل بعد خروجه من الأهرام ب 11 سنة لكتابة مقاله بصراحة فى أخبار اليوم، دون أن يتقاضى مليما واحدا عما يكتب، وتترك أخبار اليوم للأستاذ هيكل أمر الموافقة او عدم الموافقة على ما يختاره أن ينشر مقالاته مواكبة مع أخبار اليوم، انقلبت الدنيا فى صحف مصر عامة وفى «عصفورة» الوفد «وإهبارية» الأهالى وبين المعارضة والمساندة لهيكل بسبب خبطة إبراهيم سعدة الجريئة، وفى الأهرام طال اجتماع العاشرة صباحا بأكثر مما يجب وطرحت أسئلة عودة هيكل ومقاله بصراحة إلى أخبار اليوم، هل نطلب من الأستاذ هيكل أن ينشر المقال القادم فى الأهرام مشاركة مع أخبار اليوم، وهمس محبو الأستاذ من تحت الترابيزة هل سيوافق الأستاذ على العودة للأهرام بعد الحملة التى شنت عليه أخيرا من كل الصحف القومية؟، ورد آخر: حتى لو وافق الأستاذ هل هذا هو ما يحتاجه القارئ أم يريده المالك؟ ورد ثالث وما أدرانا هل سيواصل الكتابة أساسا؟ وسأل رابع وهل يمكن أن يقدم إبراهيم سعدة على استضافة هيكل دون الحصول على ضوء أخضر؟! ولخص الاجتماع تعليق ساخر من سمير صبحى سكرتير التحرير المعروف عنه عشقه للمهام وكراهيته للمناصب وعبقريته فى إلقاء النكتة حين قال: هيكل ابن أخبار اليوم وسعدة ابن الأهرام، الأول احتاج 13 سنة حتى صار رئيس تحرير الأهرام والثانى سعدة عمل ثلاثة أشهر فى الأهرام كانت كافية ليصبح بعد فترة رئيس تحرير أخبار اليوم! وكشف إبراهيم سعدة بسبب المقال الذى هز شارع الصحافة شجاعة مهنية، فقد أثار من التساؤلات أكثر مما كشف عن حقائق، واستغرق التنويه وردود الأفعال التى أثيرت قبل النشر مساحات أكبر من المقال نفسه الذى نشرت أولى حلقاته يوم السبت 15 فبراير عام 1986 وكانت تشرح عنوان: نكتب أولا نكتب؟.. أما الحلقة الثانية فقد نشرت السبت التالى تحت عنوان: صناعة القرار فى مصر، ثم توقف النشر وانطفأ النور لدخوله عش دبابير الحزب الوطنى الديمقراطى، ولم تنشر الحلقة الثالثة، فقد هزت مصر أحداث وفتنة تمرد قوات الأمن المركزى التى اندلعت يوم 25 فبراير 1986!. ورغم اتهام البعض شجاعة إبراهيم سعدة وقتها بأنه ناكر لجميل الرئيس السادات عليه، فكيف يستضيف فى صحيفته صاحب خريف الغضب الذى اعتبروه تصفية حسابات من الرئيس السادات، وهو الذى عينه رغم صغر سنه رئيسا لتحرير واحدة من كبرى الصحف القومية؟. لكن ماغاب عن فطنتهم أنها لعبة التوازنات فى الصحافة بين السلطة وبين المهنية وتطوير المضمون، وهى مواءمة عبر عنها حوار دار بين محمود أمين العالم الذى عين رئيسا لمجلس إدارة أخبار اليوم بعد نكسة يونيو وبين أستاذ الأساتذة محمد التابعى حول أيهما ينقذ المؤسسة ويحقق النجاح، شباك التذاكر، أم الفن الرفيع، فجرب «العالم» تطوير المضمون الفكرى أولا، وحين زادت الخسائر الى حد الإفلاس عُزل العالم وعُين السادات مشرفا على الدار فعادت الأمور إلى طبيعتها، القارئ هو الملك وشباك التذاكر أولا، وكذلك فعل إبراهيم سعدة بعده ب 16 سنة.. رحم الله الجميع! لمزيد من مقالات ◀ أنور عبد اللطيف