جميع التقارير التى تتناول قضية المياه دولياً وإقليمياً أو مصرياً تشير إلى ظاهرة الفاقد والإهدار وحتمية الترشيد. مشكلة دولية ليست مصرية لكنها مصيرية وسبق أن أشرنا إلى أن الفاقد يبدأ مع منابع النيل فى الهضبة الاستوائية حيث يقدر ما يسقط من الأمطار على بحيرة فيكتوريا بأكثر من 110 كم3 فى السنة لكن جملة المياه التى تخرج منها إلى نيل فيكتوريا نحو 30كم3 فقط وعلى بحر الغزال أكثر من 500كم3 يصل منها الى مخرج النهر عند بحيرة نو نحو 0.6 كم3. هذه القضية من أهم جوانب الإهدار وتتطلب تعاونا إفريقياً دوليا لحفظها من الضياع إما بإحياء مشروع قناة جونجلى وإما بمبادرة نأمل أن تصدر من مصر لدورها الرائد وبمناسبة رئاستها الاتحاد الإفريقى... من المهم تناول هذه القضية بجدية شديدة بالنسبة لمصر حيث يشمل الفاقد مجالات الزراعة والصناعة كما يشمل مياه الشرب ويوضح جدول لمركز المعلومات ودعم القرار بمجلس الوزراء أن الفاقد فى مياه الشرب يصل الى 47% والخسائر تصل الى 40 مليون جنيه كل يوم!!! بينما الأجهزة الرسمية تقدره بنسبة 23% فقط وعلى أى حال فإن الفاقد المسموح به دولياً لا يجوز أن يزيد على 2.5%. مصادر الفاقد ثلاثة: 1- فاقد إنتاج وهو الفرق بين كمية المياه الخام التى تدخل المحطة من المصدر السطحى وبين الإنتاج الفعلى. ويصل المتوسط إلى 53% فى حين أن المسموح به 6% فقط أى أن الخسائر تبلغ 92% بما يوازى 4.46 مليون م3 يومياً. ومن أسبابه: عدم كفاءة المحطات، عدم الالتزام بالأسلوب الصحيح للتشغيل والصيانة الدورية، كثرة أعطال وحدات التشغيل المساعدة مثل الطلمبات أو المحابس وعدم الاهتمام بإصلاحها، انخفاض كفاءة الشبكات الداخلية نتيجة تسرب المياه منها أو انسدادها، كثرة الآبار التى تم ايقاف تشغيلها بسبب تلوثها ، عدم توافر العمالة الفنية المدربة المتخصصة فى تشغيل وإدارة محطات المياه والصرف الصحى، قصور الاعتمادات المخصصة لأعمال التشغيل والصيانة، عدم اتباع الأسلوب العلمى فى الإدارة، وتعدد الجهات المسئولة وهناك اهدار آخر لا يهتم به هو عدم الاستفادة من مياه السيول فى مجال جبال البحر الأحمر وسيناء. 2- فاقد شبكات وهو الفرق بين حجم المياه فى بداية الشبكات وفى نهايتها، وهذا الفاقد يصل فى المتوسط إلى 50% من المياه المنتجة من المحطات، المسموح به لا يجوز أن يزيد على 21% أى بزيادة قدرها 5.2% توازى فاقداً يومياً قدره 3.83 مليون م3 من المياه. وترجع أسبابه الي: سوء التصميم والتنفيذ وعدم مراعاة طبيعة التربة والأحمال، سوء حالة بعض المواسير ، عدم تطبيق أسلوب الحماية السليم للمواسير من التآكل، عدم اجراء التفتيش وأعمال الصيانة للشبكات، تأثير حركة المرور على الشوارع والضغوط العالية مما يؤدى الى إحداث شروخ فى خطوط المواسير، عدم ثبات التربة تحت خطوط المواسير نتيجة زيادة الرطوبة أو ارتفاع منسوب المياه الجوفية مما أدى الى زيادة الأحمال عليها، الخطأ فى تشغيل الطلمبات، فتح وغلق المحابس بسرعة، سوء الوصلات بين الشبكات العامة وشبكات المبانى ومن أهم اسبابه تعدى الأهالى على الشبكات لعمل فروع غير قانونية وهذه السرقات تمثل 99% من نسبة الفاقد حسب تصريحات المسئولين. 3- فاقد استهلاك وهو فاقد المياه داخل المبانى، والذى يتحمله المواطن نفسه ويصل هذا الفاقد الى نحو 20% والمسموح 6.5% فقط من حجم المياه المسحوبة من المصادر ويصل الى نحو مليون م3 يوميا وتنحصر اسبابه فى عاملين أساسيين: الأول الفاقد دون استخدام نتيجة للتسربات من الأدوات والتركيبات والتوصيلات الصحية المعيبة أو التالفة والسلوكيات غير الرشيدة للأفراد ، الثانى الفاقد فى أثناء الاستخدام نتيجة عدم استعمال الأدوات الصحية الحافظة والسلوكيات غير الرشيدة للأفراد فى التعامل مع المياه. ويؤدى فاقد الاستهلاك إلى حدوث تلفيات داخل الحوائط المركب بها وصلات للمياه وفى أرضيات الحمامات والمطابخ نتيجة رشح وصلات الصرف الصحى ، ويؤدى الى تشوهات وتطبيل فى الحوائط تظهر جليا فى حوائط المبانى من الخارج، إصلاح هذه الأعطال يكلف مبالغ طائلة كما أنه يسبب ضررا بالغا. المياه المهدرة داخل المبانى تكلف الدولة مبالغ هائلة يسدد المواطن جزءا كبيرا منها والباقى تتحمله الدولة. وترتفع نسبة الإهدار فى مجال مياه الزراعة والرى وهو عتيق وبدائى يحتاج لإعادة نظر وتصحيح وحسب تقرير المعهد العالى للموارد المائية ومنظمة الأممالمتحدة هناك نسبة تقدر بنحو 88% من المياه العذبة تذهب لقطاع الزراعة تصل المساحة المزروعة حالياً من الأراضى المستصلحة الى نحو 8 ملايين فدان منها نحو 6 ملايين يزرع بنظام الغمر!! يبقى أمران: أحدهما، التعرف على الأوضاع الحالية وتشير التقارير إلى أن الموقف يتمثل في: 54 محطة مياه تقليدية تحتاج لإعادة تأهيل تمثل 36%، و29 محطة مياه تقليدية تحتاج لرفع كفاءة تمثل 19% و100 محطة مياه مدمجة تحتاج لإعادة تأهيل تمثل 15% و236 محطة مياه مدمجة تحتاج لرفع كفاءة تمثل 35% و1320 محطة آبار تحتاج لإعادة تأهيل تمثل 55% و500 محطة ابار تحتاج لرفع كفاءة تمثل 20% و26 محطة صرف صحى تقليدية تحتاج لإعادة تأهيل تمثل 33.7% و30 محطة صرف صحى تقليدية تحتاج لرفع كفاءة تمثل 38.9%. هذه التقارير غير حديثة نتيجة أبحاث أجريت عام 2006 واليوم حدثت طفرة نأمل أن تكون قد صححت بعض هذه الأوضاع. الأمر الآخر هو أن الحكومة وحدها لن يمكنها تحقيق الترشيد. المسئولية مشتركة مما يتطلب تحديد دور الجهات المسئولة حتى يمكن تقديم الحلول والاقتراحات. ولها الحديث القادم. لمزيد من مقالات د. ليلى تكلا